كتبت/ إيناس بارجاش
لم يكن اهتمام شيماء بابعير بالفن مجرد هواية طفولة عابرة، ففي فترة الثانوية كانت تقوم بعمل اشغال يدوية بسيطة تحتفظ بها في المنزل، انبثقت موهبتها مبكراً لتبدأ رحلتها مع الفن التشكيلي، متنقلة من كراسات الطفولة إلى لوحات الكانفس التي حلّقت بها أخيرًا إلى المتحف الوطني في الأردن.
بعد تخرجها من قسم الفنون التشكيلية، شعرت شيماء أن عملها كمعيدة في الكلية سيمكنها من مواصلة شغفها، فهي ترى أن "التواجد في بيئة فنية يعد دافعاً للاستمرار والتطور".
خلال سنوات قليلة، ساهمت شيماء في تخريج أربع دفعات من الفنانين، وتشجع طلابها على إيجاد أساليب فنية خاصة تعبر عن هويتهم.
إنجازات فنية ومعارض استثنائية
إلى جانب عملها الأكاديمي، شاركت شيماء في عدة مشاريع انتهت بمنجزات مختلفة. ففي معرض "لڤل اب" التابع لنادي الخريجين، أعدت غلافاً لقصة "سيرة ذاتية لسائق باص" للكاتبة فاطمة الحامد، وأخرى لـ "المقهى الرئاسي" للكاتب عبد الله الدباء.
كما أقامت شيماء أول معرض خاص بها في 2025 بعنوان "ياء ومن"، ضمن منحة "مسارات"، ويضم المعرض 10 لوحات تمثل 10 مناطق مختلفة في اليمن، تعكس من خلالها التراث اليمني الغني.
لوحة "زقاق يمانية" رحلة من المكلا إلى الأردن
تُعد لوحة "زقاق يمانية" تتويجاً لمسيرة شيماء، التي تطمح للوصول إلى العالمية، واللوحة إحدى مخرجات مشروع "تكنوسكيتش" التابع لمؤسسة حضرموت للثقافة. بتدريب من الفنان التشكيلي المهندس لؤي العمودي، تمثل اللوحة امتداداً لأسلوب الفنان البريطاني باتريك هيوز، لكن بلمسة يمنية أصيلة، تعكس التراث الصنعاني عبر النقوش والأزقة التي تحمل هوية ثقافية عريقة.
على الرغم من إحساس شيماء بأن العمل "لم يكن في أفضل حال" بسبب ضيق الوقت، إلا أن اللوحة لاقت اهتماماً كبيراً، حتى إن مدير متحف الأردن الوطني أبدى إعجابه الشديد بها وطلب رسمياً عرضها في المتحف.
وكان نقل اللوحة تحدياً كبيراً، نظراً لطبيعتها كمجسم ثلاثي الأبعاد، تقول شيماء: حاولنا ابتكار حلول وأفكار لنقل العمل مثل صنع ثقب يسهل عملية التفتيش إلى تقسيم المجسمات كلٌ على حدة.
انتهت جميع الحلول إلى طريٍق مسدود وكان لابد من تعذر الجهة المسؤولة عن نقله خوفًا من تعرضه للتلف أثناء اجراءات التفتيش في المطار، ولكن جرت الرياح بما تشتهي السُفن وحلقَّت "زقاق يمانية" إلى الأردن في النسخة الثانية من المعرض.
ويُعد عرض لوحة في المتحف الوطني بالأردن إنجازاً غير مسبوق، فهو أقرب للمستحيل، لكن الثقافة اليمنية استطاعت أن تحجز لنفسها ركناً في المتحف بطلب خاص.
بين الفن والواقع.. تحديات وإلهام
لم يكن مسار شيماء خالياً من التحديات. فمثل أي فنانة، واجهت صعوبات في التوفيق بين عملها الأكاديمي وعملها الحر، لكنها استطاعت بوضع جداول عمل تنظيم وقتها وإدارة مهامها.
وتؤمن شيماء بأن "الفن ليس مجرد وسيلة للكسب، بل وسيلة للتعبير والتفريغ"، مؤكدة أن الفنان يحتاج أحياناً للرسم فقط للحفاظ على صحته النفسية.
في لفتة إنسانية، تعلمت شيماء لغة الإشارة بنسبة 80% لتتمكن من التواصل مع الصم والبكم في الكلية، مما ساهم في تسهيل اندماجهم مع زملائهم، وتؤمن بأن التواصل يزيل العزلة ويخلق بيئة دراسية أكثر شمولية.

تفضيلات وتوجهات فنية
تفضل شيماء فن الرسم بالألوان الزيتية وتميل إلى تعبيرات الوجه والمكان وكل ما يعزز إيصال الشعور بشكل أفضل، وتجد أن أكثر ما يميز لوحاتها هي العيون معللة بأنها مرآة القلب، وتعكس أعمالها الطابع التراثي التقليدي الحضرمي واليمني الغني كالأزياء التقليدية والنقوش على الأقمشة والمنازل والأحجار وخط المسند في بعض الأحيان.
ترى شيماء أن لكل فنان طريقة مختلفة تساعده للاستمرار في مجاله الفني، وبين شبكة متعددة من الطرق توجد طريقة واحدة صحيحة للاستمرار دون انقطاعات متكررة لفترات طويلة، ويعتمد ذلك على عدم التكرار الذي يحمل الفنان إلى مستوى مختلف دون البقاء على المستوى ذاته فالتطوير والتجربة المختلفة وإدخال التجديد إلى أساليبه يقضي على الرتابة في ممارسة ما يحب.
تتجهز شيماء حالياً للمشاركة بلوحة أخرى في معرض "ظِل الزيتون" الذي سيقام في نيويورك، للفنانة التشكيلية سحر اللوذعي، وهي خطوة جديدة نحو تحقيق حلمها في الوصول إلى العالمية.
.png)
