مروى المليكي

في ظل سنوات الحرب والنزوح التي أنهكت المجتمع اليمني، يتنامى خطر الابتزاز الإلكتروني بصمت، مستهدفًا خصوصًا الفتيات عبر تهديدات قد تغيّر حياتهنّ في لحظات.

وتظل الكثير من هذه الحالات مخفيةً بسبب الخوف من الوصم الاجتماعي أو ضعف الوعي؛ ما يترك الضحايا يواجهون التهديدات وحدهم.

تروي فتاة شابة تُدعى م. أ. (اسم مستعار) تجربتها التي كادت تقودها إلى انهيارٍ نفسي قبل أن تجد من يقدم لها الدعم.

تقول م. أ.: "تعرفتُ على شخصٍ عبر الـ"فيسبوك"، وكان تعاملُه محترمًا، وكنا نتحدث كأصدقاء فقط. مع الوقت طلب رقمي "الواتساب"؛ لأن التواصل هناك أسهل، وأصبحنا نتحدث يوميًا".

وتضيف: "بعد فترة بدأ يطلب مني صورًا، وكنت أرفض، لكنه كان يكرر الطلب ويستعمل كلامًا لطيفًا، وفي نفس الوقت يعدني بالزواج حتى يزيد ثقتي فيه".

وتواصل: "في النهاية أرسلت له صورةً واحدة، وبعدها صار يطلب المزيد حتى اعتدت إرسال الصور بشكل طبيعي، لكنه توقف فجأة عن الرد، ومع ذلك كنت أراسله كل يوم".

وبعد أيامٍ تلقت م. أ. رسالة تهديد تقول: "تنفّذي ما أطلبه أو أنشر صورك. فقامت بحظره، لكنه عاد من رقمٍ آخر، يطلب المال أو مقابلتها. وتتابع: "لم أستطع إخبار أهلي، كنت خائفةً من ردّة فعلهم خشية حرماني من التعليم، وخوفي من أبي كان يزيد وضعي سوءًا ويضاعف شعوري بالعزلة".

"دخلتُ في حالة صدمة، لم أكن آكل ولا أخرج، وكنت أحذف الرسائل خوفًا من انكشاف الأمر، وهذا كان أكبر خطأ فعلته".. تقول م. أ.

وتزيد: "لما شعرتُ أن الوضع لم يعد يُحتمل، طلبتُ المساعدة من استاذة لي بالجامعة، استمعتْ إليّ وقدّمتْ بلاغًا وساعدتني. لكن بعد فترة وصلتني رسالة من رقمٍ مجهول يقول إنه شاهد كل صوري ومحادثاتي، فازددتُ خوفًا وانهرت أمام أمي".

"لما أخبرتُ أمي، انهارت هي الأخرى خوفًا من علم أبي، فكسرتْ الجوال، وطلبتْ مني التوقف عن الدراسة لفترة؛ لأن حالتي النفسية كانت متعبة جدًا"، بحسب م. أ.

واختتمت: "رغم كل ما مرّيت به، إلا أن دعم أستاذتي كان العامل الأساسي في إيقاف التهديدات ووضع حدٍ للأرقام التي كانت تلاحقني".

ظاهرة.. رغم غياب الإحصائيات

الناشط في مجال السلامة الرقمية، رشيد المليكي، يقول: "إن غياب الإحصائيات الدقيقة حول الابتزاز الإلكتروني لا يقلل من خطورة الظاهرة".

ويكمل: "تشير الحالات المتداولة إلى توسعها وقدرتها على التحول إلى مشكلةٍ مجتمعية إذا لم يُتخذ تحرك جدي من الدولة والمؤسسات والمنظمات والإعلام".

وأوضح المليكي أن كثيرًا من الفتيات يترددّن في كشف ما يتعرضن له خوفًا من الوصمة الاجتماعية، وضعف الوعي؛ ما يجعلهنّ أكثر عرضة لأساليب التصيد والابتزاز.

جهود المكافحة

وأضاف: "هناك جهود متزايدة في مجال التدريب والتوعية، لافتًا إلى أن منظمة "صدى" نفذت عشرات الدورات للنساء خلال العامين الماضيين، ودربت خلال سبتمبر وأكتوبر 2025 نحو 120 امرأة بالشراكة مع اللجنة الوطنية للمرأة، لكن تبقى هذه الجهود محدودة مقارنةً بحجم التحديات".

المليكي أشار إلى أن التوعية تمثل أهم وسائل الوقاية، داعيًا إلى إصدار تشريعات تجرّم الابتزاز الإلكتروني وإدخال التربية الإعلامية في المدارس للحد من الأمية الرقمية.

وذكّر أن وعي الأسرة وقربها من بناتها يلعب دورًا مهمًا في دعم الضحايا وتمكينهنّ من الخروج من الأزمات، إضافةً إلى دور الإعلام في نشر ثقافة السلامة الرقمية.

ودعا المليكي في ختام حديثه، إلى ضرورة تطوير أدوات الأجهزة التنفيذية للتعامل مع هذه الجرائم الرقمية بفعالية.

مراحل مشاعر الضحية

من جانبها، توضح أستاذة علم الاجتماع، الأكاديمية أشجان الفضلي، أن الضحية تمر في البداية بـ"صدمة حادة وشعور بالإنكار والعار نتيجة اختراق خصوصيتها، ثم تنتقل إلى القلق والخوف، يتبعه إحساس بالعجز والغضب، وصولًا إلى العزلة".

وتشير إلى أن العنف الرقمي يؤدي إلى اضطراباتٍ في العلاقات الشخصية، وصعوبةً في الثقة بالآخرين، وتجنّب العلاقات الاجتماعية أو العاطفية، إضافةً إلى الخوف من استخدام الوسائل الرقمية أو التعامل معها بقلق مفرط.

خط الدفاع الأول

الفضلي ترى أن الأسرة هي خط الحماية الأول عبر خلق بيئةٍ آمنةٍ تسمح للفتيات بالحديث دون لوم، وتقديم التوعية المستمرة والدعم العاطفي عند وقوع الحادثة.

كما تعتقد أن مواجهة العنف الرقمي مسؤولية مجتمعية تتطلب رفض لوم الضحية، ودعم القوانين الرادعة، ومساندة المنظمات التي تقدم خدمات نفسية وقانونية للضحايا.

وتضيف: "التعافي يحتاج إلى جلساتٍ لمعالجة الصدمة، ومجموعات دعم تشجع على مشاركة التجارب، وتدريب الضحايا على مهارات الحماية الرقمية لضمان الأمان مستقبلاً".

القانون والابتزاز الإلكتروني

فيما يكشف، المحامي أحسن رعدان، أن القانون اليمني لا يحتوي على تعريف محدد لجريمة الابتزاز الإلكتروني، إذ لم يتم تعديل قانون العقوبات رقم 12 لسنة 1994 ولم يصدر قانون خاص بالجرائم الإلكترونية.

لافتًا إلى أن المادة الموجودة في القانون والتي تعالج الابتزاز بشكل عام هي التي تُطبق حاليًا على قضايا الابتزاز الإلكتروني.

وأشار رعدان إلى أن الأدلة المقبولة لإثبات الجريمة تشمل المراسلات عبر تطبيق الـ"واتسآب"، تسجيل المكالمات، شهادة الشهود، استجواب المتهم واعترافه.

حماية الضحايا

وحول حماية الضحايا، أوضح المحامي رعدان أنه لا توجد ضمانات قانونية فعّالة لحماية هوية الضحية، حيث يشترط فتح محضرٍ واستماع أقوال الشاكي، رغم أن قانون الإجراءات الجزائية لم يدرج جريمة الابتزاز ضمن الجرائم التي يمكن الشكوى فيها بشكل سري.

ويتابع: "جهات العدالة لا تمتلك آليات واضحة للتعامل السريع مع قضايا الابتزاز الإلكتروني، ويُنظر إليها ضمن إطار قانون العقوبات التقليدي لعام 1994".

دعم الضحايا

وفي الوقت الذي لا يحمي القانون اليمني بشكل كامل ضحايا العنف والابتزاز الرقمي، ثمة من يقدم دعمه للضحايا.

وفي هذا الشأن، يوضح المسؤول الإعلامي في مكتب اتحاد نساء اليمن بصنعاء، مجدالدين نعمان، أن الاتحاد يقدم دعمًا متكاملًا للنساء والفتيات المعرضات للعنف الرقمي أو الأسري.

ويشير نعمان إلى أن هذا الدعم يتضمن دعمًا نفسيًا واجتماعيًا؛ لمساعدتهن على تجاوز الصدمات، كما يشمل التوجيه القانوني ومساندة الضحايا في رفع القضايا ومتابعتها، مع وجود برامج توعية وتدريب حول مخاطر الابتزاز وأساليب الحماية الرقمية.

بالإضافة إلى دورات تمكين اقتصادي للحد من فرص الاستغلال، ودار إيواء للنساء اللواتي يتعرضن لتعنيفٍ شديدٍ أو يفتقدنّ الحماية، بحسب نعمان، الذي أشار إلى أن هذه الجهود تأتي ضمن استراتيجيةٍ مستمرة؛ للحد من العنف وبناء بيئةٍ آمنةٍ للفتيات والنساء.

لا إحصائيات

في اليمن، لا توجد إحصاءات رسمية وحكومية دقيقة حول العنف الرقمي ضد النساء؛ بسبب ضعف البيانات الوطنية، وتردد الضحايا في الإبلاغ عن الحالات.

ومع ذلك، تشير تقارير من هيئة الأمم المتحدة للمرأة واتحاد نساء اليمن إلى أن نسبةً كبيرةً من النساء والفتيات يواجهنّ مضايقات وتهديدات عبر الإنترنت.

وتسلط بعض الأبحاث والمقالات الصحفية الضوء على هذه الظاهرة من خلال قصصٍ واقعيةٍ وتحليلاتٍ حول غياب إطارٍ قانوني واضح لمكافحة الابتزاز الإلكتروني.

على صعيد التوعية، تعمل بعض منظمات المجتمع المدني على تنظيم ورش تدريبية حول السلامة الرقمية، وحملات توعوية في الجامعات وعلى منصات التواصل الاجتماعي.

وتهدف تلك الأنشطة إلى تعريف النساء والفتيات بأساليب حماية الخصوصية ورفع مستوى الوعي بمخاطر الابتزاز الرقمي، رغم غياب برامج رسمية موثقة على المستوى الوطني.

وينبع هذا الجهد المدني من خطورة الابتزاز الرقمي والعنف ضد النساء عبر الإنترنت في اليمن، ويكشف ضرورة التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمعَين المدني والأكاديمي لحماية الفتيات والنساء، وتمكينهنّ من استخدام الفضاء الرقمي بأمان، خاصةً في ظل غياب قوانين متخصصة وسرعة التعامل مع هذه الجرائم.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي