عزالدين الصوفي

بحركةٍ محدودة، تعيش النازحة "سارة أحمد" (18 عامًا) في أطراف مخيم المنيج، بمديرية المعافر، في محافظة تعز.

"سارة" نزحت مع أسرتها من مديرية جبل حبشي؛ نتيجة الحرب الحوثية، وتواجه صعوباتٍ يوميةً في التنقل داخل المخيم بسبب إعاقتها الحركية.

تعتمد "سارة" على كرسي متحرك قديم؛ للتنقل من خلاله بين مربعات المخيم بصعوبة، وتفتقد أجهزةً مساعدة أكثر كفاءة تُسهّل حياتها اليومية.

تقول "سارة": "أشعر أحيانًا بالعزلة والإقصاء داخل المخيم، خصوصًا عندما تُنظم أنشطة تعليمية أو ترفيهية دون مراعاة قدراتي على المشاركة. الطرق الوعرة والمرافق غير المُعدّة لذوي الإعاقة تجعل التنقل صعبًا للغاية".

وعن الدعم المقدم لها تضيف: "أتلقى أحيانًا جلسات توعية ودعم نفسي من بعض المنظمات، لكنها غير منتظمة".

"كما أن الحصول على المساعدات الإنسانية غالبًا ما يتأخر، وهذا يزيد من معاناتي اليومية ويجعل الاعتماد على الآخرين أمرًا حتميًا".. تزيد "سارة".

وحول أهم احتياجاتها، تقول: "أفتقد الرعاية الصحية المستمرة والتعليم المناسب وفرص التدريب والعمل التي تساعدني على الاعتماد على نفسي.

كل هذه العقبات تجعل حياة "سارة" داخل المخيم مليئةً بالتحديات، وتتمنى أن تتوفر لها فرص حقيقية للمشاركة في الحياة اليومية بشكل طبيعي وكريم.

أرقام وتحديات

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة حول العالم تصل إلى 15%.

فيما بلغ عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في اليمن نحو 4.5 مليون شخص، ويتوقع أن يكون الرقم أعلى في مخيمات النزوح؛ نظرًا لنقص التغطية الميدانية والظروف الإنسانية الصعبة.

تقول منسقة برامج في مخيم المُنيج الواقع في البيرين غرب مدينة تعز، ندى محمد: "نسعى لتخفيف المعاناة قدر الإمكان، لكن نقص التمويل وغياب المختصين يشكلان عقبةً كبيرة، في ظل استمرار التمييز الاجتماعي من بعض أفراد المجتمع".

وتضيف: "نحاول تقديم خدمات دعم نفسي وتأهيل اجتماعي، لكن احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة كبيرة جدًا".

أسباب العنف الاجتماعي

يُشير خبراء اجتماعيون إلى أن العنف الاجتماعي ظاهرة سلبية تهدد استقرار وتماسك المجتمع، ويعود جزء كبير منها إلى اختلال عملية التنشئة الاجتماعية التي يفترض أن تقوم على الحوار والتفاهم بين أفراد الأسرة والمجتمع.

بهذا الشأن، يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتور محمود البُكاري: "إن انتشار العنف الاجتماعي في اليمن يرتبط بعوامل ثقافية واجتماعية متعددة".

وأهم هذه العوامل، غلبة ثقافة السيطرة والرغبة في الانتقام لتحقيق مصالح شخصية على حساب الآخرين، بحسب البُكاري.

ويرى أن ضعف الوعي الاجتماعي، والمناهج التربوية غير المتوازنة تسهم في ترسيخ سلوكياتٍ عنيفة بين الفئات المجتمعية.

وأضاف البُكاري: "هناك مظاهر عدة للعنف الاجتماعي، ما بين التنمر والإقصاء والتمييز ضد الفئات الأكثر ضعفًا".

ويكمل: "كما تُسهم البيئة الأسرية والمجتمعية التي تفتقد الحوار والتفاهم في تفاقم هذه الظاهرة، بالإضافة إلى تأثير الإعلام السلبي أحيانًا في نشر ثقافة الكراهية والعنف".

وأشار البُكاري إلى أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب تضافر الجهود عبر نشر الوعي الاجتماعي بمخاطر العنف، وتفعيل دور الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام في تعزيز قيم التسامح والحوار ونبذ الكراهية.

ولفت الأكاديمي بجامعة تعز إلى أن العمل الجاد في هذا المجال يحد من انتشار العنف الاجتماعي ويقوي نسيج المجتمع.

تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، "اليونيسف"، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشير إلى أن غالبية ذوي الاحتياجات الخاصة في مخيمات النزوح اليمنية يعانون نقصًا حادًا في الخدمات الصحية والتعليمية والتأهيلية.

كما يواجه ذوي الإعاقة صعوباتٍ في التنقل والوصول إلى المرافق العامة بسبب غياب التجهيزات المناسبة.

وتكشف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في اليمن على محدودية الخدمات المقدمة للمعاقين والمهمشين، حيث لا تغطي إلا نسبةً ضئيلةً من احتياجات هذه الفئة.

تأثير الحرب والنزوح

مع استمرار الحرب والنزوح، توقف الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة عن التعليم، وتضرر العديد منهم اقتصاديًا؛ ما انعكس سلبًا على وضعهم الصحي والنفسي.

وتشير تقارير محلية إلى أن نحو 40% من ذوي الإعاقة في المخيم اكتسبوا إعاقاتٍ جديدة؛ نتيجة الحوادث، مخلفات الألغام، أو القصف.

كما أن غياب ذوي الإعاقة عن المشاركة المجتمعية وصنع القرار داخل المخيمات يعني استمرار معاناتهم وتجاهل حل قضاياهم الإنسانية الملحة.

يأتي هذا كون هذه الفئة أكثر الفئات تأثرًا بالنزوح والصراع، ولديهم القدرة على الإسهام في تحسين ظروف حياتهم.

ويحتاج ذلك إلى نقل ذوي الإعاقة من مربع المستفيدين من المساعدات الإنسانية إلى خانة صناع القرار داخل المخيم، واعتبارهم شركاء أساسيين في وضع استراتيجيات المستقبل.

دور ذوي الإعاقة

يمكن لذوي الإعاقة الإسهام في تحسين المخيم من خلال تبني مبادرات مجتمعية، نشر الوعي، والمشاركة في كل الجوانب الحياتية بطريقتهم الخاصة.

وفي السياق، توضح العاملة في مركز التأهيل النفسي التابع لمنظمة "سياق للشباب والتنمية" بتعز، أماني الحوباني، أن واقع ذوي الإعاقة ما يزال مثقلًا بأشكال متعددة من العنف والتمييز.

ولفتت إلى أن العنف النفسي يُعد الأكثر انتشارًا، ويظهر في التهميش والنظرة القاصرة والألفاظ المهينة، بينما يواجه المعاقون ذهنيًا والصم والبكم مخاطر أكبر تتعلق بالعنف الجسدي والجنسي.

الحوباني تشير إلى أن النساء والأطفال، خصوصًا الفتيات، هم الفئات الأكثر تعرضًا للانتهاكات، فالأوضاع داخل المخيمات تزيد من حجم الإقصاء والحرمان من حقوقهم المدنية والاقتصادية.

وأوضحت أن مركز التأهيل النفسي بمنظمة "سياق" يقدم خدمات الدعم النفسي والإحالة، وبرامج التوعية والتمكين، وتوفير بعض المساعدات وفق المتاح.

واستدركت: "لكن التحديات المرتبطة بضعف التمويل وتراجع دور الجهات المختصة وعدم تحديث القوانين تجعل الاستجابة لاحتياجات هذه الفئة محدودة".

داعيةً إلى ضرورة تفعيل كياناتٍ داعمة، وإعداد أدلة خدماتٍ واضحة، وتنفيذ برامج لحماية ذوي الإعاقة ورفع وعي المجتمع بحقوقهم.

ختامًا، تحتاج هذه الفئة إلى منحها الفرصة للمشاركة واتخاذ القرار، والترشح للمناصب القيادية، وإدماج ممثلين عنها بشكل مباشر وفعّال في جميع مستويات التخطيط داخل المخيم.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي   الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي