كتبت/ إصلاح صالح
لم يبتسم الحظ طويلًا للشابة اليمنية (س. ن. أ) عقب زواجها في سن مبكر من ابن خالتها وهي في السادسة عشرة من عمرها، وانتقالها للعيش معه في إحدى المدن البريطانية، حيث بدأت المشاكل فور وصولها، وسرعان ما وجدت نفسها ضحية لسوء معاملة، لينتهي الزواج بالطلاق.
لم يكن هذا أسوأ ما مرت به، فلاحقا اضطرت المهاجرة الشابة إلى الزواج من رجل متزوج -على الطريقة الإسلامية- بحثًا عن الأمان، من دون أن تدرك تبعات عدم توثيق عقد الزواج قانونيًا.
فبينما يبيح الدين الإسلامي تعدد الزوجات ضمن ضوابط محددة، تحظره التشريعات الأوروبية بشكل قاطع، وهذا التناقض دفع بعض الرجال إلى إتمام زيجات دينية في المساجد بعيدًا عن أعين السلطات، الأمر الذي يترك الزوجة الثانية خارج أي اعتراف رسمي أو حماية قانونية، ناهيك عن عدم نسب الأطفال إلى آبائهم وعدم نيلهم أي حقوق قانونية.
حقوق مهدورة
وفي معظم الدول الأوروبية يعد الزواج الديني من رجل متزوج من دون توثيق مدني، بوابة لسلسلة من المشكلات، فالزوجة الثانية تُحرم من أي اعتراف رسمي، فلا حق في الميراث أو النفقة، ولا حضانة تلقائية للأطفال، ولا وضع قانوني كزوجة يضمن لها بطاقة إقامة أو تأمينًا صحيًا أو حقوقًا عند الطلاق، والأخطر أن هذا الارتباط يصنف قانونيًا زواجًا باطلًا، وقد ينظر إليه باعتباره احتيالًا أو استغلالًا للنظام، ما يهدد مستقبل الإقامة والجنسية ولمّ الشمل.
وغالبًا ما تدخل النساء هذه العلاقة من دون إدراك كامل لعواقبها، فيتعرضن لاستغلال عاطفي أو ديني، وتتعقد أوضاعهن أكثر إذا أنجبن أطفالًا، خصوصًا فيما يتعلق بالحضانة والحقوق الاجتماعية، ليجدن أنفسهن خارج أي مظلة حماية قانونية.
نساء عالقات
وتتعامل الدول الأوروبية بصرامة مع مسألة تعدد الزوجات، إذ يحظر رسميًا في جميع الدول، وإذا ثبت أن الشخص أخفى زواجه الثاني للحصول على مساعدات اجتماعية أو سكن، فقد يلاحق أيضًا بتهمة الاحتيال على النظام الاجتماعي، مع احتمال سحب المساعدات والإقامة.
لكن القوانين الصارمة لم تمنع المهاجرة اليمنية (أ. أ. ع) التي وجدت نفسها بلا عائلة أو سند في الغربة بعد أن فقدت زوجها الأول، من الزواج من رجل متزوج، بدافع الخوف من الوحدة وانعدام الأمان، لكن هذا الزواج سرعان ما تحول إلى مصدر قلق دائم.
إذ تؤكد أن زوجها يهددها بحرمانها من أطفالها وحقوقها المالية إذ طالبت بالطلاق، لتبقى محاصرة بين واقع قانوني معقد وخشية على مستقبلها ومستقبل أبنائها.
اليوم تعيش المرأة الثلاثينية في قلق دائم خشية ما قد يترتب على وضعها القانوني المعلق، وخوفًا من انكشاف زواجها غير الموثق، وما قد يترتب عليه من إجبارها على الطلاق، وانكشاف امرها للسلطات.
قوانين صارمة
ووفقًا للقانون البريطاني حيث توجد أكبر جالية يمنية في أوروبا، تحديدًا المادة (57) من قانون الجرائم ضد الأشخاص لعام 1861، يعتبر الزواج بثانية جريمة جنائية يُعاقب عليها الشخص بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات.
وتجرّم ألمانيا تعدد الزوجات بموجب المادة (172) من القانون الجنائي الألماني، حيث يعاقب الشخص الذي يتزوج وهو لا يزال متزوجًا من أخرى، بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات أو غرامة.
فيما تعاقب فرنسا تعدد الزوجات بموجب المادة (433-20) من قانون العقوبات الفرنسي، بالسجن لمدة تصل إلى سنة واحدة وغرامة تصل إلى 45,000 يورو.
وبموجب المادة (237) من القانون الجنائي الهولندي يعاقب الشخص الذي يتزوج وهو لا يزال متزوجًا بالسجن لمدة تصل إلى ست سنوات، وإذا كان الشريك الجديد على علم بالزواج الأول، يمكن أن يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى أربع سنوات.
منع ولكن!
وتؤكد المحامية والناشطة الحقوقية هدى الصراري أن تعدد الزوجات ممنوع في معظم الدول الأوروبية، حيث يعتبر الزواج نظامًا مدنيًا ويتم توثيقه حصريًا في مؤسسات الدولة وليس في المساجد أو الكنائس إلا كشعائر دينية بعد التوثيق المدني، وإذا تم عقد زواج شرعي عند إمام مسجد دون توثيق رسمي في دائرة الأحوال المدنية، فإن الدولة لا تعترف به قانونيًا. أي أنه لا يعطي أي حقوق قانونية للزوجة أو الأولاد من حيث الميراث، الجنسية، النفقة، الطلاق.
وتوضح الصراري أن في القانون اليمني الزواج الشرعي المعقود وفق الشريعة - بحضور ولي وشهود ومهر- ٌيعد صحيحًا شرعًا وقانونًا، حتى وإن لم يوثق رسميًا، لكن توثيقه ضروريًا لحفظ الحقوق والإثبات أمام القضاء.
وبحسب الصراري "إذا أُجري الزواج في أوروبا عند إمام مسجد بدون توثيق رسمي في البلد المضيف، ثم عاد الشخص إلى اليمن يمكن للقاضي اليمني الاعتداد بالعقد الشرعي إذا استوفى شروط الزواج، لكن ستظهر صعوبات في الإثبات، خاصة لو لم يكن هناك وثيقة مكتوبة أو تسجيل رسمي".
عقد شرعي
ويلجأ بعض اللاجئين اليمنيين إلى عقد زواج ديني عند شيخ أو إمام جامع من دون تسجيل رسمي، وهو وإن كان مقبولًا دينيًا إلا أنه غير معترف به قانونيًا، حيث طُرحت قضية زواج المسلمين في بريطانيا للواجهة مع مسح أجرته "القناة الرابعة" البريطانية، نُشر على صحيفة الجاردين، أظهر أن 61 % من زيجات المسلمين شرعية لكنها غير قانونية. بمعنى أن الأسر توثق الزواج عبر عقد زواج شرعي بحضور إمام من مسجد، وفى حضور الأهل والأصدقاء، لكنها لا توثق أو تسجل الزواج لاحقاً في السجلات المدنية.
غير معترف
يقول أحد أئمة مسجد في مدينة شيفلد البريطانية – فضّل عدم ذكر اسمه – إن دور المسجد في إبرام عقود النكاح يقتصر على البعد الديني فحسب، مؤكّدًا أن "الزواج المدني هو الإطار الوحيد المعترف به قانونيًا في المملكة المتحدة".
وأوضح الإمام أن مهمة المسجد "تتمثل في تلبية الجانب الروحي والاجتماعي للمجتمع المسلم، وليس توثيق الزواج لدى السلطات الرسمية"، مشيرًا إلى أنه يعتمد على المعلومات التي يقدّمها الطرفان عند طلب عقد النكاح، ولا يمتلك صلاحية للتحقق من الحالة الزوجية القانونية لكل شخص.
وأضاف: "نحرص دائمًا على توعية المقبلين على الزواج بأن عقد النكاح الديني لا يترتب عليه أي حقوق أو التزامات قانونية، ونشجعهم على إتمام الزواج المدني قبل أو بالتزامن مع النكاح الشرعي، التزامًا بالقوانين البريطانية وحفاظًا على حقوق جميع الأطراف".
أطفال بلا هوية
وفي العديد من الحالات يصبح الأطفال المولودون من الزوجة الثانية في وضع قانوني هش، فالقوانين الأوروبية تسجل المولود تلقائيًا باسم الأم وتمنحه حق الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والدعم الاجتماعي، لكن إثبات نسبه للأب يظل معلقًا ما لم يعترف به رسميًا. وفي غياب هذا الاعتراف، يحرم الطفل من حقوق جوهرية مثل النفقة أو إمكانية الحصول على جنسية الأب، كما يفقد أي حق في الميراث أو لم الشمل الأسري.
هذا الفراغ القانوني لا يترك الأمهات أمام عبء الإعالة وحده فحسب، بل يعرض الأطفال أيضًا لأزمات نفسية واجتماعية طويلة المدى، ويبرز كأحد أخطر نتائج الزواج خارج الإطار المدني المعترف به.
وبهذا الخصوص، تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان ليزا البدوي: "كلما وجدت أوراق أو وثائق تثبت وجود علاقة قانونية مع الطرف الآخر، كان ذلك أسهل في إجراءات تسجيل الطفل فور ولادته والحصول على شهادة ميلاد رسمية، أما فيما يخص النفقة والاستحقاقات المالية، فهي مرتبطة بمدى إمكانية نسب الطفل إلى والده".
تضيف: "القوانين المحلية تولي اهتمامًا بالغًا بالحالة النفسية للأم، حيث يعتبر الاستقرار النفسي شرطًا أساسيًا لمنحها حق الحضانة، بينما يُنظر إلى الجانب المادي على أنه ثانوي، نظرًا لوجود دعم حكومي لتغطية احتياجات الطفل في حال غياب الأم أو تعذرها، وفي جميع الأحوال تعطى الأولوية دائمًا للأم في مسألة الحضانة، وبشكل عام يتم التركيز على مصلحة الطفل، وضمان نشأته في بيئة صحية وسليمة، مع التشديد على حماية حقوقه الأساسية مٌنذ لحظة ولادته".
دعوة للتوعية
يبقى واقع اللاجئات اليمنيات في المهجر مثالًا على التحديات المتشابكة بين القوانين المحلية، الضغوط الاجتماعية، وغياب الدعم الأسري، حيث تضطر بعضهن لاتخاذ قرارات صعبة لحماية أنفسهن وأطفالهن. وتشير التجارب إلى أهمية توعية المهاجرات بحقوقهن القانونية، وضمان وصولهن إلى الدعم النفسي والاجتماعي، بما يضمن حماية الأطفال وتأمين بيئة مستقرة لنموهم.
.png)
