تعز - بشرى الحميدي

في ظل انتشار العنف ضد النساء لجأت بعضهن إلى اتخاذ قرارات مصيرية لإنقاذ أرواحهن، قرر البعض منهن البقاء حيث هن أملا في العثور على ملجأ داخل المنزل أو بالقرب منه، في حين تفضل أخريات الفرار بعيدًا عن ذلك بحثا عن مكان أكثر أمنا من تلك الجدران التي سندتها منذ نعومة أظافرها.

الهروب في حد ذاته مسار يخبئ خلفه أحداث قد تتسبب في أزمات أعمق للشخص، ويجدن من قررن البقاء أنفسهن مجبرات على التعامل مع حقيقة مفادها أن حياتهن قد تكون عرضة للخطر في أية لحظة.

"إن دور المنظمات غائب وما يظهر على المواقع مناقض للواقع، ولست وحدي هنا فأغلبية المعفنات يتم نقلهن إلى الخارج وتركهن في منتصف الطريق ليتجهن إلى المجهول" بهذه الكلمات تروي إحسان الحدأ كيف تعاملت المنظمات الحقوقية مع قصتها.                                                

إحسان هي إحدى النساء اللاتي تعرضن للعنف الأسري وكان خيارهن الهرب نحو بلد آخر حيث تعد إحدى اللواتي دفن وأزهقت أرواحهن في إطار أعراف وتقاليد قبلية، تقول احسان بأنها أفاقت ذات صباح على رسائل تهديد بالقتل، تلقتها من أختها بأن أخاها سيفعل ذلك وأردفتها برسالة أخرى تقول فيها أنها ستتخلى عنها وتنهي علاقتها بها للأبد.

تبرر إحسان موقف أختها قائلة: "أختي فعلت ذلك لأن أخي أقنعها بأن الفتاة التي ترقص في شريط الفيديو عبر تطبيق توك توك هي أنا، ويتوجب عليه قتلي من أجل إزالة العار وإنقاذ سمعة العائلة ولم يمنحوني أي فرصة للدفاع عن نفسي.

تعد المأساة أن تلك الفتاة التي ظهرت على (تيك توك) هي فتاة مغربية شبيهة لي وقد وضحت ذلك عن طريق فيديو قصير، لذلك اضطررت للحصول على مساعدة من خلال النشر على صفحتي في وسائل التواصل الاجتماعي وانتقلت فوراً للبقاء في منزل إحدى الصديقات.

تمتد اول قصة احسان في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وتعرضت للتنمر والتعنيف اللفظي بكل أشكاله ولم يقف الأمر عند ذلك بل حُبكت لها الشائعات.

تقول إحسان بأنها لجأت حينها للأمن حيث لم تكن تثق بأحد لشعورها بالخطر إلا أن أجهزة الأمن تقاعست عن إعطائها نسخة من البلاغ ما اضطرها للانتقال إلى محافظة عدن بواسطة منظمة نسوية هناك وصلت إلى مبنى اتحاد نساء اليمن أملا في النجاة ولم تتوقع أن تتلقفها اصابع الاتهام والتأنيب حد تعبيرها.

وتواصل: تم تأنيبي على ما فعلت وإنه من الواجب عليّ احترام مجتمعي المحافظ.

عادت إحسان إلى محافظة مأرب تم التواصل بها من قبل إحدى عضوات رابطة التضامن النسوي وبتكتم شديد على مسألة سفرها حيث بدى لها ذلك كعامل نجاة تعاملت معه بحذر فهي لا تعلم أن كان ذلك حقيقة فعلاً ام فخاً، وتستطرد بالقول: هي خيارات حساسة جداً خصوصاً حين يصعب عليك التفريق بين الحل والاستدراج.

 

تقول الحداء: في13يناير2020 وصلت القاهرة حيث لم أكن ضمن الخطة، وتم تخفيض المنحة المالية التي أشرن عليّ بها إلى مبلغ زهيد لايكفي للخروج من مصر إذ أن مصر كانت منطقة عبور وتوقفت عجلة اللجوء تحت ذريعة فيروس كورونا".

 

وتتابع: حياتي تمر بفصول معقدة في ظل عدم تجاوب المفوضية السامية وفى ظل زيارات متكررة ونتائج سلبية بدون أي تقدم أو حلول، وأكثر الأشياء التي أوجهها هو اعتقاد بعض شخصيات نسائية وجهات حقوقية بأني أحصل على مساعدات من جهات أخرى، وفي الحقيقة فأنا لا أحصل على شيء من أحد.

وأوضحت الحداء بأنها تتعرض مضايقات من قبل بعض اليمنيين الذين يحاولون التقاط الصور معها حين يصادفونها، وتضيف: يحاولون استغلالي فقد تعرضت لموقف سيء من قبل أحد من يسمون أنفسهم حقوقيين ونشطاء ما صدمني حقا هو ادعاء مثل هؤلاء الإنسانية ولعب الأدوار.

"وضعي في مصر ليس آمنا فأنا أتوقع كل يوم حدوث الأسوأ في حين يظن الجميع بأني نجوت" تختم الحدأ حديثها.

 

في أغسطس 2020 أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة تقرير لها يؤكد على معالجة اشتداد العنف ضد المرأة بشكل عاجل من خلال تدابير متضمنة في إجراءات التنشيط الاقتصادي التي تأخذ في عين الاعتبار خطورة التحدي ونطاقه وتعكس احتياجات النساء اللاتي يواجهن أشكالًا متعددة من التمييز؛ وعليه دعا الأمين العام الحكومات إلى جعل منع العنف ضد المرأة ومعالجته جزءًا أساسيًا من خطط الاستجابة الوطنية الخاصة بـكوفيد-19، ويجب اعتبار المراكز المتخصصة وخطوط المساعدة للنساء خدمة أساسية بتمويل محدد وأن تُبذل جهود موسعة لإذكاء الوعي حول توفرها وذلك في البلاد كلها.

من ناحيتها وصفت قبول عبده العبسي رئيسة مؤسسة قرار للإعلام والتنمية المستدامة، ورئيسة مبادرة مجتمع وجود للاجئين بأن النساء في اليمن واجهن تمييزا شديداً في القانون والممارسة، وتضيف: زادت تصرفات الأطراف المتصارعة من التمييز والعنف ضد النساء والفتيات، وتقوم باستخدام مصطلحات مهينة تجاههن كجزء من تهديداتها العامة.

وأوضحت العبسي بأن هذه الممارسات تسببت في ارتفاع العنف الأسري ما أضطر النساء للبحث عن حياة كريمة والهجرة بحثا عن الأمن والأمان.

وأكدت العبسي بأن اللاجئات يعانين من حياة قاسية وتعنيف مجتمعي وأسري وتهميش اجتماعي في عدم مناصرة قضاياهن وأن هناك الكثير من السيدات هاجرن لأسباب تعنيف من الأهل والأقارب لأسباب مختلفة، مشيرة إلى أن هناك الكثير من المعنفات اللاتي تم التعرض لهن في بلاد المهجر.

من جهته قال الدكتور جمهور الحميدي عميد مركز الإرشاد والبحوث النفسية بجامعة تعز بأن لعنف ضد المرأة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلاقات القوى غير المتكافئة بين الرجال والنساء والتمييز القائم على النوع الاجتماعي ويتفاعل معهما.

وأضاف: يشكل الحق القائم في عدم التعرض للعنف والتمييز القائمين على العرق أو الجنس أو التعبير أو الهوية أو العمر أو النسب أو الدين وكذلك الكرامة المتأصلة والمتكافئة لكل امرأة ورجل وطفل، أساسا لحقوق الإنسان.

وأكد الحميدي بأن العنف ضد النساء هو نتيجة للتراكمات التاريخية غير المتساوية بين الرجال والنساء والتي أدت إلى الهيمنة والتمييز ضد النساء وإلى منع التقدم الكامل للمرأة، كونه أحد الآليات الاجتماعية الحاسمة التي أجبرت بها المرأة بالتنازل عن احتلال مواقع متساوية مع الرجل.

من جهته قال المحامي مختار الوافي أمين عام المركز القانوني اليمني "بأن العنف الاسري في اليمن يمارس بشكل كبير لعدة أسباب منها اجتماعية، اقتصادية، وثقافية، فضلا عن الأسباب التشريعية المتمثلة بالقصور التشريعي".

وأوضح الوافي بأن القانون يتعامل مع هذه القضايا وفقا للنصوص القانونية المبينة سلفًا منها ما هو منصوص على تجريمها والعقاب عليها ومنها ما تم تجاهلها، مؤكدًا بأنه لا توجد نصوص تحظرها او تجرمها ولا يستطيع الضحية فعل شيء، وأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

ويرى الوافي بأن العادات والتقاليد في اليمن هيمن تحكم قضايا العنف بشكل كبير، ويضيف: هناك ممارسات عنف ترتكب داخل الأسرة ولا يستطيع الضحية الوصول إلى العدالة والانصاف بسبب ان العادات والأعراف تعيب أن يشتكي الشخص ضد أخيه أو والده وهنا تتعرض الفئات الضعيفة للعنف خصوصًا المرأة والطفل.