عدن – لؤي العزعزي وليلى جميل
تجلت في تظاهرة نساء عدن يوم أمس السبت، صور حية ومعبرة عن نضال المرأة العدنية العريق والمتجذر في تاريخ المدينة، لم تكن هذه التظاهرة مجرد رد فعل غاضب على أزمة الكهرباء والمياه المتفاقمة، بل كانت امتدادًا لسلسلة طويلة من التحركات النسائية الشجاعة التي شهدتها عدن على مر العقود.
جسدت هذه التظاهرة الغضب المتصاعد والإحباط العميق الذي يعتري سكان المدينة جراء التدهور المريع والمتواصل في كافة جوانب حياتهم اليومية، من الخدمات الأساسية إلى الوضع المعيشي والتعليم.
محاولة تسيس
واجهت التظاهرة النسائية قبل انطلاقها حملةً مضادة وهجومًا إعلاميًا على وسائل التواصل الاجتماعية سعت إلى تشويه أهدافها وتقويض زخمها. إلا أن الحضور النسائي الكبير والملفت أفشل هذه المحاولات، حيث أبدت المتظاهرات وعيًا كبيرًا وإصرارًا على رفض أي محاولات لتسييس مطالبهن أو جرّهن إلى مربع الاصطفافات السياسية، مؤكدات بذلك على وحدة الهدف والمعاناة المشتركة التي دفعت بهن إلى الخروج للشارع.
شعارات حياة
ورفعت نساء عدن خلال التظاهرة لافتات خطت عليها عبارات معبرة عن حجم المعاناة والسخط الذي يعتمل في صدورهن، ورددن شعارات مدوية أكدت على أن ما يحدث في المدينة هو بمثابة "تعذيب ممنهج" يطال كافة مناحي حياتهم.
ومن بين الشعارات الغاضبة التي هزت أرجاء ساحة التظاهرة: "لا سعودي ولا دولار نحن شعب مش تجار"، في إشارة واضحة إلى الغضب الشعبي المتزايد من التلاعب بالأسعار وتدهور قيمة العملة المحلية، وسط حالة من التجاهل والتقاعس الحكومي إزاء معاناة المواطنين المتفاقمة.
كما حملت اللافتات المرفوعة عبارات قوية ومؤثرة، من قبيل: "صرخة شعب في وجه الفساد، أين الكهرباء والماء؟ نريد الصحة والتعليم والحياة الكريمة".
وفي مشهدٍ رمزي مؤثرٍ ولافتٍ، جسدت المتظاهرات حجم المعاناة التي يتكبدها سكان عدن جراء الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وذلك من خلال رفع إطارات لمكيفات هواء قديمة وفوانيس تقليدية ومراوح يدوية، في تعبيرٍ بليغ عن الظروف المعيشية القاسية التي يواجهنها في ظل موجة الحر الشديدة التي تجتاح المدينة هذه الأيام.
وفي تصريح خاص لمنصة "هودج"، أوضحت الناشطة "داليا اليافعي"، إحدى المشاركات البارزات في تنظيم الفعالية، أن المطالب الأساسية للمحتجات تتركز حول ضرورة التحسين العاجل للخدمات الأساسية المتردية، ووضع حلول جادة وواقعية للانهيار المتسارع في قيمة العملة الوطنية وتداعياته الكارثية على حياة المواطنين.
وأكدت اليافعي أن "التصعيد مستمر ولن يتوقف ما لم تتحقق تلك المطالب المشروعة".
"اليوم كان الحضور النسائي كبيرًا جدًا ومبهرًا، ولا يمكن لأي صوت أن يعلو فوق صوت الحق، فما بالكم عندما يكون هذا الحق مصحوبًا بألم ومعاناة نتجرع مرارتها منذ سنوات طويلة للأسف"
وأضافت قائلة بلهجة حازمة: "إن المطالب واضحة ومحددة، وإذا لم يتم الاستماع إليها والاستجابة لها بشكل فعلي وملموس، فإن الاحتجاجات السلمية ستنتقل إلى محيط المرافق الحكومية الرئيسية للضغط على الجهات المسؤولة لاتخاذ خطوات جادة لإنقاذ المدينة وسكانها".
وشددت على أن "الوقفات الاحتجاجية ستتواصل كحراك سلمي مشروع يكفله الدستور والقانون، حتى يتم تلبية مطالب المواطنين وتحقيق العدالة المعيشية التي طال انتظارها".

غياب للخدمات
تشهد مدينة عدن منذ أشهر تدهورًا متسارعًا في الأوضاع الخدمية، وعلى رأسها أزمة الكهرباء التي بلغت مستويات كارثية. إذ تعاني المدينة من انقطاعات متواصلة للتيار الكهربائي تصل إلى نحو ثماني عشرة ساعة يوميًا، تزامنًا مع ارتفاع قياسي في درجات الحرارة، مما فاقم بشكل كبير من معاناة السكان وأثار موجة غضب واسعة تجاه الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي على حد سواء.
و عبّرت الناشطة الدكتورة آيات النعمان في حديث خاص لمنصة "هودج" عن دوافع مشاركتها، قائلةً: "الخروج اليوم كان حقًا أمرًا طبيعيًا وواجبًا وطنيًا، وليس مجرد مطلب ثانوي."
مضيفةً: "النساء في عدن يعانين من أوضاع معيشية واقتصادية واجتماعية أثقلت كاهلهن وأنهكت قواهن. إنهن يحاولن جاهدات العيش بكرامة وإعالة أسرهن، ولكن للأسف الشديد، فإن كل مقومات الحياة الكريمة في عدن أصبحت ضعيفة وشبه معدومة."
وأشارت إلى أن: "النساء خرجن اليوم وهن مدنيات مسالمات، لم يحملن سوى رموز بسيطة تعبر عن معاناتهن، كالمراوح اليدوية والشموع والفوانيس. رأيتهن صفًا واحدًا وصوتهن واحدًا، يعبرن عن مطلب واحد وهدف مشترك: نريد حياة كريمة، نريد كهرباء مستقرة."
الحكومة تتعامل بجدية مع معاناة المواطنين
بدورها، أعربت الناشطة مواهب عبد الرحمن عن فخرها واعتزازها بالمشاركة في هذه الفعالية النسائية، قائلة: "أشعر بفخر كبير بنفسي وبكل أم وأخت وزوجة وطفل نزلوا اليوم إلى الساحة ليعبروا عن معاناتنا جميعًا، أقسم بالله أن الوجع والقهر والألم كان واضحًا وجليًا في عيون النساء اليوم، بسبب الظلم والإهمال الذي نعيشه منذ سنوات طويلة. لقد خرجنا اليوم لنعبر عن صرخة ألم مكبوتة، لأننا جميعًا أُرهقنا وتجاوزنا كل حدود التحمل".
وأضافت بحماس: "اليوم كان الحضور النسائي كبيرًا جدًا ومبهرًا، ولا يمكن لأي صوت أن يعلو فوق صوت الحق، فما بالكم عندما يكون هذا الحق مصحوبًا بألم ومعاناة نتجرع مرارتها منذ سنوات طويلة للأسف".
ووجهت تحية إجلال وتقدير لجميع المشاركات، اللواتي حملن وسائلهن المعبرة والسلمية لإيصال معاناة سكان عدن بكل شموخ وكبرياء، مؤكدة أنهن رفعن رؤوس الجميع عاليًا بهتافاتهن ومطالبهن المشروعة، ومختتمة حديثها بعبارة قوية: "وسحقًا لكل من حاول تشويه سلميتنا وتحوير مطالبنا النبيلة".
رجع صدى
وفي أول رد رسمي، علق رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك على التظاهرة النسائية عبر تغريدة على حسابه الرسمي في منصة "إكس"، مؤكدًا أن الحكومة تتعامل بجدية مع معاناة المواطنين، ومشيراً إلى استماعه الجدي وتفهمه لصوت نساء عدن، واصفًا إياه بصوت كل بيت في المدينة.
وأوضح الجهود التي تبذلها الحكومة بالتنسيق مع الأشقاء في التحالف بقيادة السعودية والإمارات لإيجاد حلول عاجلة، مؤكدًا أنه لن يدخر جهدًا في تخفيف معاناة المواطنين.