حضرموت – عبير واكد

رنا عمر العطاس مهندسة معمارية وصاحبة مشروع((فرانسويت)) للكيك والحلويات، تقطن في محافظة حضرموت(شرق اليمن) حالها كحال الكثيرين من الشباب، الذين يعملون بأعمال تنافي تخصصاتهم الجامعية.
استمرار حرب اليمن لسنوات عديدة، وضع الاقتصاد اليمني على المحك، ما خلق الكثير من التحديات، الصعوبات والمعوقات أمام الشباب اليمني في سوق العمل.

نقطة التحول

تحكي رنا عن التحول الكبير الذي طال حياتها من الهندسة المعمارية لهندسة التورتات قائلة: "فور أن تخرجت من كلية الهندسة و البترول من جامعة حضرموت عام 2013 تخصص هندسة معمارية، بدأت العمل في مكتب هندسي قرابة عامان كنت اتقاضى في وقتها مرتب 25 ألف يمني فقط، فوجدت أن العمل في الحياة الواقعية يختلف تمامًا عن ما درسته في الجامعة، فقلت سأغض بصري عن المرتب الزهيد، مقابل أن اتعلم وسارت الأمور وقتها على ما يرام".

وتابعت حديثها: "ذات يوم سمعت عن دورة التسويق الإلكتروني فسجلت بها، حيث كان ولا يزال الشغف يعتريني لمعرفة كل ما هو جديد، وكان من مخرجات الدورة أن أطلق مشروع وهمي برفقة زميلاتي، ففكرت بمحل حلويات وأطلقت عليه اسم ((فرانسويت)) أي -حلويات فرنسية-، وفمنا بالترويج له أنا وزميلاتي، فوجدنا القبول وتحول إلى حقيقة على أرض الواقع بتشجيع من زميلاتي.. فاعتكفت على اليوتيوب وأخذت دروسًا فيه عن صناعة الكيك والحلويات، حتى نمت موهبتي ومن هُنا بدأت!"

الشعور بمكانتي

أمضت رنا ستة أعوام في دراسة الهندسة المعمارية تحلم بأن يكون لها تصميماتها الخاصة بها للبيانات والشقق السكنية، لمتكن تتخيل بأن سنين دراستها قد تذهب أدراج الرياح، وتضيف: "أريد أن اشعر بمكانتي كمهندسة لا كصاحبة الكيك، لقد تعبت ودرست وتحملت ناهيك عن أهلي الذين صرفوا مبالغ وقدرها أثناء دراستي الجامعية".

وتتابع رنا: "عندما عملت في مجال الهندسة واكتشفت بأن الراتب زهيد، انصدمت! وكررت المحاولة حسب نصيحة المقربين بالعمل في الجانب الحكومي، وبالفعل عملت كمهندسة تخطيط في مكتب العقار ولكن، لم نكن نتقاضى رواتب شهرية فبعد مرور مدة ما بين ستة إلى سبعة أشهر يصلني راتب شهرين فحسب، الأمر أشبه بالصدقة لا الراتب!!".

وتستطرد في حديثها قائلة: "زمان عندما كنت اشاهد المهندسين والأطباء ينالون تقدير بشكل كبير، اقول في نفسي -العقبى لي-وأصبح مثلهم، وقد أصبحت الآن! ما الذي استفدته ؟ إنه شيء مؤسف".


قاسم مشترك

رنا البالغة من العمر ثلاثون عامًا، تقول بأن هناك قاسم مشترك بين عالم الهندسة وصنع الكيك، فالهندسة لا تقوم على الحسابات والأرقام فحسب وإنما على الخيالات الواسعة والدقة، فكلما كان خيال الشخص واسع وخصب مصاحبًا للدقة في كل شيء بحياته، سيجد الإبداع حليفه في أي مجال آخر، كما فعل معها في صنع الحلويات، حد تعبيرها.

ووصفت العطاس بأن صناعة الكيك أصبحت عشق وتحدي لها، وأنها تعمل الآن على تقديم الكيك والتورتات وفق تصميمات خاصةبها"، وتضيف: عندما يعلم زبائني بأني مهندسة معمارية يطمئنوا أكثر، ويخبروني بأن عملي متقن".

تمتلك رنا العطاس حسابًا على منصة الانستجرام باسم (فرانسويت) حيث تخطى متابعيها حاجز تسعة ألف متابع وتعرض فيه نماذج وتصاميم من التورتات والحلويات الخاصة بها، فقط عليك الحجز للحصول على تورتة بالشكل الذي تريده وبمذاق رائع -حسب تعليقات زبائنها.

نيل الحلم

تتمنى رنا أن تحصل على وظيفة في مجال تخصصها الجامعي كمهندسة معمارية، وتتابع: كلمة مهندسة لحالها شرف، وأنا مهندسة بشهادة فقط دونما عمل في ذات التخصص، وهذا ما أتمنى أن يتحقق".

وتنصح رنا كل فتاة أن تختار تخصصها وفق رؤية وشغفها وبما يتناسب مع المستقبل التي تحلم به، وأن تصر على أن تنال حلمها، تقول رنا و ابتسامة بارزة على محياها.

وترى الاخصائية الاجتماعية إيناس باضريس، وجوب أن يكون هناك موائمة بين تخصصات الجامعة ومتطلبات سوق العمل من خلال دراسة السوق قبل فتح أي تخصص، مبينة أن تكون هناك خطط متجددة للجامعة حسب سوق العمل ومتطلباته ،وليس مجرد تخصصات تُدَرس فحسب.

وأوضحت باضريس بأن الطلاب لا يميزون بين تحقيق ذاتهم وكسب عيشهم، كون الكثير منهم ينجرف في التخصص الجامعي طمعاً في الحصول على المسمى الوظيفي بغض النظر احتياج سوق العمل لهذا التخصص أم لا.

وعلقت باضريس على قصة رنا بالقول: قصة رنا تدرج ضمن قضايا العنف على النوع الاجتماعي في المجتمع المحلي الذي يتيح العمل للفتاة في قطاعات معينة ومنعها بطريقة غير مباشرة من تخصصات تُرى أنها لا تصلح الا للرجل، ومن جهة أخرى تختار بعض الفتيات تخصص معين مجالات العمل فيه محدودة جدًا.

بينما يرى استشاري التنمية المجتمعية، مصطفى المقطري، أن يتم عمل معالجات وتنظيم حملات تأهيل وتوعية للطلبة خريجي الثانوية العازمين على الالتحاق بالتعليم الجامعي، بالتوجه نحو دراسة التخصصات التي تلبي متطلبات واحتياجات سوق العمل ومعرفة الاحتياجات المطلوبة للشركات والمؤسسات والقطاع الخاص من تخصصات، ويضيف: ناهيك عن توعية أولياء الأمور كون اغلب الطلبة لا يعرفون ما المجال الذي يريدون التخصص به، فيلتحق بناءً على طلب أو نصيحة من اسرته.

وأكد المقطري على ضرورة أن يقوم القطاع الخاص بالتنسيق مع الجامعات ووزارة التعليم العالي لعقد لقاءات وورش عمل، لوضع خطط مشتركة، وتوضيح متطلباتهم والمهارات والكفاءات التي يحتاجونها في أعمالهم وكوادرهم ووضع شراكة واضحة محددة وفق رؤية واستراتيجية بالمهام والادوار.

ودعا المقطري الحكومة إلى وضع واصدار تشريعات وقوانين جديدة وتعديل وتطوير اللوائح التعليمية بما يتناسب ويلبي سوق العمل واحتياجاته، والتركيز نحو التعليم النوعي لا الكمي.