صنعاء - زكريا حسان

بعد رحلة سفر شاقة استمرت قرابة 20 ساعة من العاصمة صنعاء إلى محافظة عدن جنوب اليمن قطعتها "سمية"، لاستخراج جواز سفر، وجدت نفسها عاجزة عن الحصول على حقها القانوني في امتلاك وثيقة السفر، ورفضت مصلحة الهجرة والجوازات البدء بإجراءات الاستصدار إلا بحضور ولي الأمر.

عادت العشرينية "سمية" - اسم مستعار لرغبتها في عدم ذكر اسمها- إلى المصلحة برفقة أخوها الأكبر لكنها اصطدمت بالرفض ذاته، ولم يتعامل موظفو المصلحة معه، واشترطوا أن يكون وليا لأمر الأب أو الزوج، للبدء بالمعاملة.

تقول سمية: قضيت أسبوع كامل أتردد على المصلحة لأبحث عن حل، حتى لا أعود إلى صنعاء بغير الجواز، وفي إحدى الأيام تقابلت مع سمسار بالمصلحة، وطلب مني مبلغ 25 ألف ريال مقابل الحصول على الجواز جاهزاً".

وتضيف: تمت الصفقة، وبالفعل حصلت الجواز، وذهبت كل الإجراءات التي كانوا يشددون عليها أدراج الرياح.

 

سلطة ذكورية

سمية ليست إلا واحدة من عشرات النساء اللواتي يترددن على المصلحة يومياً، ويمنعن من الحصول على الجواز على الرغم من أن القانون رقم "7" لسنة 1990 بشأن الجوازات يؤكد في مادته السادسة على صرف جوازات السفر لكل من بلغ سن 16 عاماً ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية اليمنية.

وتواجه النساء في اليمن الكثير من التعسفات بسبب السلطة الذكورية المهيمنة على كل مرافق الدولة، ومنظومة صنع القرار، وإجراءات مصلحة الجوازات ليست إلا انعكاس للمواطنة المنقوصة التي تٌوزع وفقا للجنس والنفوذ، وتحرم المرأة من فرص مساواة المرأة مع الرجل، كما تقول المحامية والناشطة الحقوقية عفراء حريري.

وتضيف حريري: التميز ضد المرأة، وتحيز التشريعات للرجل نتيجة حتمية لسيطرتهم على صناعة القرار، ونظام القبيلة الذي يحكم منظومة التشريع، مما يجعل كل أجهزة ومؤسسات الدولة تتعامل مع النساء بدرجة مواطنة دنيا.

 

مبررات واهية

تتعارض إجراءات مصلحة الجوازات بشكل صريح مع القوانين اليمنية، والدستور الذي ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وكثير من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" واتفاقيتي حقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية.

لكن مدير مصلحة الهجرة والجوازات بعدن محمدعباد، يرى أن تلك الإجراءات سليمة، وتتوافق مع الشرع والقانون اللذان يجعلا الأب مسئول عن ابنته، وبعد الزواج تنتقل المسئولية للزوج.

ويقول: صرفنا جوازات للعديد من النساء بدون موافقة ولي الأمر في السابق، وبسبب هذا طلبنا للمثول بالمحاكم من قبل الأزواج.

لم تقتنع القاضية إيمان شائف رئيسة الشبكة الوطنية لوصول النساء للعدالة، بالمبررات التي تسوقها وزارة الداخلية ومصلحة الهجرة، وحديثها عن مشاكل قد تحدث لحصول المرأة على الجواز بدون ولي الأمر، وترى أن الادعاء بأن الإجراءات تهدف للحفاظ على كرامتها وعدم استغلالها واهية، ومخالفة للقانون.

وتتسأل القاضية شائف بمرارة، لماذا يترك مصير المرأة رهن موافقة الرجل؟ ولماذا توضع العراقيل أمامها لمنعها من حقها في التنقل والسفر المكفول بالدستور والقانون؟ وماذا لو فرضنا أنها على خلاف مع الزوج واستغل الإجراءات ليمنعها من امتلاك الجواز؟

 

تنمر ومزاجية

على الرغم من عدم وجود قانون يمنع المرأة من الحصول على وثيقة السفر، إلا أن اللائحة الداخلية وتوجيهات قيادة المصلحة، تفرض تلك الإجراءات، ولا يمكن للمرأة استصدار الوثائق مهما كان عمرها إلا بموافقة الأب أوالزوج، بحسب سعيد بلحاف مدير مصلحة الجوازات بالمهرة.

ولم يتوقف الأمر عند حرمان المرأة من الجواز الاب ولي أمر، وتتعرض النساء بسبب اللوائح للمزاجية بالتعامل عند السفر من قبل ضابط الجوازات إذا كانت لوحدها، وأعطته مبرر لمنعها من السفر، والتعامل معها بتنمر، كما تؤكد القاضية شائف.

وتقول: الحرب زادت صعوبة استخراج المرأة للجواز، ومن يسكن في صنعاء لا يستطعن استخراجه إلا من المحافظات التابعة للشرعية (الحكومة المعترف بها دوليًا)، وأغلب النساء لا يتمكن من السفر مما يحرمها من هذا الحق.

وبحسب شائف، فإن المرأة لم تعد تستطيع السفر من منطقة إلى أخرى داخليًا، وترفض شركات الباصات قطع تذكرة لها إذا لم يكن هناك معها محرم، بناء على قرارات بعض الجهات، وتواجه الكثير من الأسئلة في النقاط الأمنية.  

         

معالجة التشريعات والإيمان بالمساواة

تتذكر "سحر" المعاناة التي عاشتها عند محاولتها استخراج جواز السفر للالتحاق بزوجها الذي يعيش في الخارج، وكيف تتجرع النساء مرارة التمييز في مصلحة الجوازات، ويضطررن إلى تقديم الرشاوى والوساطات.

وتقول: على الرغم من حضور وموافقة والدي، إلا أن الموظفين رفضوا المعاملة، بحجة أن الزوجة تنتقل ولايتها إلى الزوج، مما جعلنا نستعين بضابط كبير كضامن، للحصول على وثيقة السفر.

وتستغرب "سحر" وجود قوانين ولوائح تتعامل مع المرأة بدونية، وتحرمها من امتلاك وثيقة حكومية في هذا العصر.

تتفق شائف وحريري أن رفع المعاناة والتمييز القائم ضد المرأة لا يمكن حله إلا بنصوص قانونية ملزمة ومفصلة، وخاصة ما يتعلق بجوازات السفر، وإلغاء كل الإجراءات المعقدة، وتوعية الجهات التنفيذية بالقوانين والاتفاقيات الدولية، وحقوق الإنسان والمرأة بوجه خاص.

ووجود سلطة تؤمن بالمساواة بالحقوق، وتضع ضوابط لمنح المرأة نفس درجة المواطنة، باعتبارها تنتمي إلى ذات الوطن والهوية، واتخاذ تدابير عقابية لمن يمارس إجراءات مخالفة للقانون وحقوق الإنسان.