زبيدة الوجيه

 

فقدت أميرة زوجها في العام 2019م أثر ذبحة صدرية، وبعد أن نقل إلى عدة مستشفيات امتنعت عن استقباله لأسباب تنوعت بين امتلاء غرفة العناية المركزة، عدم بدء موعد الدوام، وإضراب الكادر الطبي أو عدم توفره، لتبدأ مشوار حياتها دونه وبرفقة أطفالها الأربعة.

 أميرة بعد رحيل زوجها

تحكي أميرة عن حياتها الجديدة بعد المحنة: "كان من الصعب تحمل أعباء تربية الأبناء لوحدي؛ فقد كنت معتمدة على زوجي بكل أمور الحياة. أصبحت الأم والأب لأطفالي، ومتحملة فوق طاقتي".

وتقول أميرة، وهي خريجة ثانوية عامة، ومن أبناء مدينة تعز - جنوب غرب اليمن: "عندي شهادة ثانوية عامة  صعب أن أشتغل بها، فكرت أن أدرس في الجامعة، لكني لا أمتلك تكاليف الدراسة، وكمان شهادتي لا تسمح".

"مستحيل أبقى عالة على الأسرة والمجتمع أنا وأطفالي، وكان لازم أكسر هذا القيد؛ لأنه ما عندي بديل آخر"

وجدت أميرة نفسها في مواجهة كل متطلبات الأسرة والحياة مرة واحدة، وكان عليها أن تتصرف فورًا كما تقول، وتتحذ قرارًا ينقذها من محنتها، "كان سبب مشاكلي ومعاناتي تلك غياب الوظيفة التي يمكنها أن تنتشلني من ذلك الوضع الصعب؛ فلم يكن أمامي سوى أن اتخذ قراري من أجل امتلاك مهنة".

بدأت أميرة البحث عن كورسات في تعلم الخياطة؛ فهي المهارة الأقرب إليها، والتي يمكنها إتقانها في وقت قصير.

الحلو ما يكمل

تتحدث أميرة عن قضاء ساعات يومها مع أطفالها، وكيف تغلبت على عوائق كانت حجرة عثرة في طريقها: "أصحى الصباح لتجهيز أطفالي للمدارس، ثم أحاول إنجاز مهام البيت من كنس وتنظيف واهتمام باحتياجات الأطفال في المنزل، ولاحقًا أتفقد واجباتهم المدرسية، وأذاكر لهم، وأعتني بصحتهم؛ فليس هنالك من يمكنه معاونتي بشأنهم".

درست أميرة الخياطة في مركز تدريبي قريب منها، واجتهدت في تطبيق كلما درسته؛ ما ساعدها على إتقان المهارة في وقت قصير، لتبدأ بذلك رحلة العمل إلى جانب واجبات المنزل والأطفال، "بعد أن أتقنت الخياطة، بدأت العمل من المنزل وأنا أخطط لفتح محل لتصريف منتجاتي، لكن الحلو ما يكمل كما يقال".

"بضاعتنا تأتي أغلب الأوقات من صنعاء؛ لذا نقوم بدفع فارق السعر في الحوالات النقدية بين مناطق أنصار الله الحوثيين، ومناطق الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، والتي تجاوزت نسبة 100% في الآونة الأخيرة"

لم يتقبل الأهل فكرة عمل أميرة في محل تجاري خاص بها، تقوم هي بالإشراف عليه وعلى عملية البيع والشراء فيه؛ كونها تنتمي إلى أسرة "محافظة" لا تشجع عمل المرأة خوفًا من نظرة المجتمع القاصرة نحوها، خاصة أنها "أرملة"، كما تقول.

"كان الأهل رافضين فكرة فتحي لمحل تجاري، لكني أصريت على مشروعي. مستحيل أبقى عالة على الأسرة والمجتمع أنا وأطفالي، وكان لازم أكسر هذا القيد؛ لأنه ما عندي بديل آخر"، وتضيف: "بعد عدة محاولات، تقبل أهلي الفكرة بالتزامهم الصمت لا أكثر".

التمويل

بحثت أميرة عن فرصة للحصول على تمويل يساعدها في فتح محل تجاري من خلال متابعة العروض التي تقدمها البنوك التجارية، ونجحت في تحقيق ذلك بواسطة إحدى البنوك الإسلامية.

"بعد حصولي على التمويل من خلال برنامج للمشاريع الصغيرة، قمت بالبحث عن محل صغير أعرض فيه منتجاتي التي أقوم بخياطتها وحياكتها".

 "مرهق ومربك"

في ظل الأوضاع التي تمر بها البلد من حرب وانهيار للعملة وارتفاع في الأسعار ، وجدت أميرة نفسها أمام تحديات كثيرة، تقول: "بصعوبة أستطيع أن أواصل العمل في المحل؛ بسبب ارتفاع الأسعار كل يوم؛ فنحن نأخذ بضاعتنا بالريال السعودي أو الدولار، والمواطن البسيط غير قادر على الشراء بمبلغ باهض، كما أنّ سعر شراء المواد الأولية يتغير بشكل أسبوعي تقريبًا، وهذا شيء مرهق ومربك ويتسبب في ضياع قسط كبير من الأرباح".

"وفرت أميرة مشوارًا طويلًا على الزبون حين جمعت أكثر من خدمة في نفس المكان"

وتوضح: "أحيانًا لا أستطيع أن أدفع إيجار المحل، وقد أتأخر  شهرين إلى ثلاثة أشهر؛ لأنّ العمل التجاري راكد، وبضاعتنا تأتي أغلب الأوقات من صنعاء؛ لذا نقوم بدفع فارق السعر في الحوالات النقدية بين مناطق أنصار الله الحوثيين، ومناطق الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، والتي تجاوزت نسبة 100% في الآونة الأخيرة" 

تسويق إلكتروني

تعمل أميرة في خياطة الأرواب وفساتين الأطفال والملبوسات التقليدية الشعبية، ومن ثم تبيع منتجاتها في المحل التجاري الصغير مع ميزات إضافية تتمثل بالتسويق الإلكتروني لبضاعتها.

أنشأت أميرة جروبات عبر تطبيقي واتساب وفيسبوك، وبدأت التسويق لمنتجاتها؛ ما ساهم في زيادة الحجز والشراء منها، والتعرف على البضاعة من خلال الإعلانات التجارية على منصات السوشال ميديا، خاصة أثناء الحجر الصحي بسبب انتشار كوفيد-.19

تقول عائشة محمد، وهي إحدى الزبونات التي تتعامل مع أميرة ومنتجاتها: "وفرت أميرة مشوارًا طويلًا على الزبون حين جمعت أكثر من خدمة في نفس المكان من خلال إنتاج مقاسات مختلفة، وإضافة خدمة تعديل المقاسات، والعرض عبر السوشال ميديا، بالتالي رؤية المنتجات من المنازل بدلًا من الذهاب إليها، كل هذا دفعني وأخريات للتعامل معها".

ظهور أميرة بميزاتها التسويقية والإنتاجية أهّلَها لتتعاقد معها عدد من المدارس الخاصة لإنتاج الزي المدرسي لطلابها؛ وهو ما ساهم في توفير عائد جيد من الناحية المالية، ومساحة تسويق أوسع أيضًا، كما تقول.

ثلاث سنوات من الكفاح المتواصل صنعت فيها أميرة ذاتها بعيدًا عن التواكل، وصنعت "اسمًا ومنتجًا وعملًا تجاريًا مكنني من توفير نفقات الدراسة لأبنائي، وحياة معيشية أفضل دون اللجوء لأحد"، تضيف أميرة مبتسمة.