عدن-  أمنية بدرالدين

 

في جو مفعم بالحيوية وأمام نافذة منزلها المليئة بأحواض الورود ‘ تجلس أمل خلف طاولتها ذات الزخارف المنحوتة بعناية تشير الى فنية صاحبتها  

تفتح كراسة مذكراتها وتبدأ الحديث لـ "هودج "عن محطات رحلتها المختلفة.

أول يوم دراسي

تتذكر امل كيف أمكنها شد انتباه من حولها في الصف الأول من جهة تفاعلها مع الدروس والمعلمين معيدة ذلك الى تشجيع ابويها لها من وقت مبكر الى
جانب استاذتها سارة الحبوبة حد وصفها.

تواصل امل الحديث حول تلك اللحظة التي التفتت فيها بابتسامة نحو طفلتها سلمى ذات السنوات الخمس وهي تشد على كتف أمها لتخبرها ” ماما ماما أنا جائعة" كيف ربتت على كتف سلمى برفق قائلة لها: لم يعد والدك من العمل بعد ورمقت ساعة الحائط الذهبية ذات الأرقام البارزة لتدرك انه مر على وقت عودة زوجها من العمل ساعة كاملة'

اعتاد الزوج طرق باب الشقة عند الساعة الثانية من ظهر كل يوم‘ لكنها تشير الى الثالثة، بدأت نبضات قلبها تتسارع ويداها ترتعشان وهي تنظر في عيني ابنتها ‘ و إذا بجرس الباب يقرع لتتجه أمل نحوه بأنفاس متقطعة وترى وجه زوجها الشاحب وعينيه المتحجرتين ‘وبصمت مخيف مر من جانبها متجها نحو الطاولة فإذا به يقع على الأرض مغشيا عليه… امتزجت صرخات أمل ببكاء ابنتها سلمى.

 

يلزمه راحة تامة وعليه عدم مغادرة السرير قال الطبيب

سألته أمل بعبارات مرتعشة إلى متى?

حتى تستقر حالته.

ومتى ستستقر حالته?

لا أعلم.. أجابها الدكتور ..يتعلق ذلك  بمدى استجابته للعلاج

نظرت أمل بعينين دامعتين إلى زوجها الملقى على سرير المستشفى دون ان تعلم السبب.

وفي اليوم التالي وصلها إخطار من المحكمة بضرورة مغادرة شقتها دون أن تأخذ منها أي شيء.

خرجت أمل من شقتها حاملة في يدها علبتها الذهبية التي حصلت عليها خلال مشاركتها في مسابقة (فرشاة وقلم)عندما كانت طالبة في المرحلة الثانوية

اضطرت أمل للعيش مع عائلة زوجها في منزلهم الصغير المكون من ثلاث غرف يقطنها والد زوجها ووالدته مع ابنتهم وشقيقيها اللذين اضطرا على مضض نقل اغراضهما الى غرفة اختهما ليتقاسموها معها تاركين غرفتهم لـ امل.

لم يكن أفراد عائلة زوجها يطيقونها كما تقول كانت تشعر بنظرات الحقد والكراهية تملأ عيونهم

ثلاثة أسابيع ثقيلة مرت قبل ان تستعيد امل تماسكها وتقرر القيام بشيء ما

فرشاة وقلم كانت ادواتها لتغيير حياتها واسم معرضها التشكيلي الذي ما يزال حلما حتى الان

خرج أحمد من المستشفى ونزل في منزل أبيه ليصبح محل رعاية وعناية من في البيت.

لخمس سنوات تركت امل الفرشاة جانبا لكنها تدرك الان جيدا كيف تمسك بها مجددا كما تقول

كان أحمد زوج أمل يملك معرضا صغيرا للسيارات لكنه دخل في مناقصة لشراء ثماني سيارات ولسوء حظه خسر في تلك الصفقة كل شيء تقريبا ما جعلة طريح الفراش.

لكن الوضع كان مختلفا لدى الزوجة " قررت أن أفتتح معرضا خاصا بي لدي الكثير من اللوحات في منزل والدي وسأضيف اخريات "

لملمت امل جراح زوجها وجراحها وقررت أن تتخطى كل ذلك وتنتشل أسرتها من هذا الضياع حد وصفها.

تقول" بدأت تنظيم غرفة استقبال الضيوف في بيت والدي المكون من غرفتين لتكون بداية انطلاقتي وامسكت ريشتي وبدأت الرسم من جديد"

قدمت لوحاتها الجديدة أشكالا مختلفة لمواجهة العوائق والبحث عن الفرص والتقدم خطوة في كل مرة رغم كل شيء

افتتحت أمل معرضها التشكيلي الذي حضره عدد كبير من زملائها وزميلاتها ومعلميها وغيرهم منال مهتمين بالفنون الجميلة, وذاع صيت معرضها المتواضع وبيعت معظم اللوحات بمبالغ استطاعت من خلالها دفع عجلة الحياة امام اسرتها الصغيرة.

ذات يوم وبعد عامين من النضال المستمر دوى في القاعة صوت يقول " نكرم اليوم صاحبة الأنامل الذهبية وكاسرة القيود الفنانة أمل محمد محمود.

 

اتجهت أمل نحو سلالم القاعة البيضاء الكبيرة ذات المنحنيات مشيرة لزوجها بالانتظار وضعت رجلها اليمنى  على أول السلم ثم رفعت اليسرى ذات الحذاء الحديدي و مستعينة بعصا حديدية مخصصة لذوي الإعاقة صعدت منفردة نحو منصة التكريم لتسلم الجائزة نظير لوحتها التي جسدت إرادة ذوي الاحتياجات الخاصة في تغيير حياتهم، تماما كما فعلت هي وفي أصعب الظروف .... ضجت القاعة بالتصفيق