شيماء القرشي

 

استطاعت المرأة اليمنية الوصول إلى منصات القضاء في المحاكم الابتدائية والاستئنافية والمحكمة العليا في فترة ما كانت تعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل العام 1990م، ومنذ إعلان دولة الوحدة "الجمهورية اليمنية" فجر الثاني والعشرين من مايو 1990م، تناضل المرأة اليمنية في المحافظات الشمالية من أجل تولي ولاية القضاء.

بعد ثلاثين عامًا لم تحقق المرأة في الشمال ذلك الهدف على مستوى المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف، بل وتراجعت قاضيات المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف في مختلف محافظات الجمهورية إلى المحاكم الابتدائية.

وتملك نساء يمنيات التأهيل والكفاءة والحق الدستوري في تولي منصات المحاكم العليا والاستئنافية، إلا أن قصور النظرة المجتمعية خاصة في الشمال ما تزال تمثل العائق الأصعب أمامهنّ في ممارسة هذا الحق، بحسب قاضيات وهيئات قضائية.

"لا يريدون امرأة في القضاء"

يتضمن دستور الجمهورية اليمنية الصادر عام 1991م، والمعدل عام 2015م، عدداً من النصوص الداعمة لحق المرأة في المساواة وعدم التمييز، فمثلًا تنص المادة 24 من الدستور على التالي: "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا"، لكن ما يحدث مع القاضيات مختلف تمامًا.

تقول روضة العريقي، وهي قاضية بمحكمة شمال الأمانة بصنعاء بدرجة استئناف: "الجهات المعنية لا تريدنا أن نمارس القضاء في منصات محاكم الاستئناف والمحكمة العليا، يريدون حصر عملنا في المحاكم الابتدائية، بل إنني أستطيع القول أنهم لا يريدون لأية امرأة العمل في مجال القضاء بكل درجاته، وهو أمر يظهر جليًا من خلال عدد القاضيات الممكنات للعمل في مقابل عدد القضاة الذكور".

"على الرغم من أننا طالبنا بالعدالة والمساواة مع القضاة الذكور، إلا أننا لم نلقَ جوابًا أو ردًا على مطالبنا سوى أن علينا أن نحمد الله كثيرًا لأننا وصلنا إلى هذه المرحلة"

وبحسب إحصائيات حصرية حصلت عليها "هودج"، فإن هناك ما يقارب656  قاضي  مسجل في بيانات وزارة العدل، منهم 16 قاضية فقط يمارسنّ العمل القضائي في المحاكم الابتدائية ومحكمتي الأموال العامة ومحكمة الأحداث في صنعاء، في حين أن عدد القاضيات اليمنيات في مختلف مناطق الجمهورية بلغ 150 قاضية فقط.

وتضيف العريقي: "في اختبارات القبول بالمعهد العالي للقضاء تتراوح حصة المرأة 2% من المقاعد، وهي نسبة ليست ثابتة، فقد تقل حينًا وتختفي أحيانًا أخرى، وقد تجد قاضية أو اثنتان في دفعة كاملة من القضاة الذكور، وما يدعو للغرابة أن لجنة قبول الطلاب في المعهد العالي للقضاء جميع أعضائها من الذكور".

وانطلاقًا من مضامين الدستور والقوانين النافذة، تقول العريقي: "من المفترض على مجلس القضاء الأعلى ورئاسة هيئة التفتيش القضائي عندما يحصل القاضي، سواء كان ذكرًا أو أنثى، على الدرجة القضائية التي تسمح له بممارسة ولاية القضاء في محاكم الاستئناف والمحكمة العليا، وبعد اجتيازه كافة متطلبات الولاية القضائية، أن يقررا فورًا إعطائه الولاية، لكن القرارات تشمل قضاة ذكور، ولم يحدث منذ قيام الجمهورية اليمنية وحتى لحظة هذا الحديث أن تم تعيين قاضية أنثى في محكمة الاستئناف أو في المحكمة العليا في العاصمة صنعاء، على الرغم من أن القانون لم يحرمها من ذلك".

العدالة ما نطالب به

من جهتها، تقول تهاني الوليد، قاضية بدرجة استئناف في محكمة جنوب شرق الأمانة الابتدائية: "ليس هناك سبب قوي يمنعنا من ممارسة هذا الحق الذي سلبونا إياه دون نص قانوني واحد يتيح لهم الأمر، فقانون السلطة القضائية لم يفرق بين رجل أو امرأة فيما يتعلق بتولي القضاء، وبحسب المادة 41 من الدستور، فإن المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة".

"ما يحدث أن عدد القضاة من الإناث قليل جدًا مقارنة بالقضاة الذكور، ودائمًا ما تحتسب الفرص بالنسبة للعدد الكلي"

وحول الجهود التي تبذلها القاضيات للحصول على هذا الحق، توضح الوليد: "على الرغم من أننا طالبنا بالعدالة والمساواة مع القضاة الذكور، إلا أننا لم نلقَ جوابًا أو ردًا على مطالبنا سوى أن علينا أن نحمد الله كثيرًا لأننا وصلنا إلى هذه المرحلة التي لم تكن النساء يحلمنّ أن يصلنّ إليها حسب قول البعض".

وتضيف: "ليس أمامنا كنساء حتى الآن سوى الرضا بالمرتبة الأقل، على الرغم من تساوينا في التأهيل والكفاءة مع القضاة الذكور الذين يحصلون على هذا الحق، كما يصل قضاة تخرجوا بعدنا بسنوات إلى شعب الاستئناف وكراسي المحكمة العليا فقط لأنهم ذكور"، واصفة حق المرأة في هذا الجانب بأنه "ما يزال مكبلًا بقيود غرستها العادات والتقاليد في الفكر المجتمعي منذ سنوات طويلة".

لا نمنعهنّ وإنما نحميهنّ!

ولمعرفة أسباب حرمان القاضيات المؤهلات من تولي القضاء في محاكم الاستئناف والمحكمة العليا، توجهنا إلى وزارة العدل واضعين ذات الأسئلة على طاولة رئاسة هيئة التفتيش القضائي ممثلة بالقاضي أحمد الشهاري الذي أفاد لـ"هودج": "لا توجد قضية حرمان إطلاقًا، فالقانون لم يحرم ولم ينص على المنع. ما يحدث أن عدد القضاة من الإناث قليل جدًا مقارنة بالقضاة الذكور، ودائمًا ما تحتسب الفرص بالنسبة للعدد الكلي"، ويضيف: "إن وجدت قاضيات تتوفر فيهنّ الدرجة القضائية المناسبة، فليعرضنّ رغبتهنّ بالعمل القضائي علينا ولن نمنعهنّ، ولكن عليهنّ تحمل العواقب من المجتمع".

"خلال عام كامل لم ترفع إلا شكوى ضد قاضية واحدة، فالقاضيات أكثر أمانة وأكثر عمليّة"

ويوضح القاضي الشهاري: "أرى أن تخصيص عمل القاضيات في المحاكم الابتدائية أفضل لهنّ، حيث أنهنّ قد يجدنّ صعوبة حينما يعملنّ في الشُّعب الاستئنافية، المشكلة من القضاة الذكور، فقد يتعرضنّ للحرج من الجلوس معهم، ومن مناقشة القضايا التي تحتاج رأيهم جميعًا ومشاورتهم في الأمر، وقد ينظر لهنّ المجتمع بنظرة انتقاص لعملهنّ مع الذكور على نفس الطاولة؛ لذلك نحن نفضل حمايتهنّ من تلك النظرة وإعطائهنّ فرصة العمل في المحاكم الابتدائية، حيث يصبح القرار الوحيد لهنّ دون منازعة من أحد". 

شكوى واحدة

يمكن للشكاوى المقدمة ضد ممارسات بعض القضاة أن تمثل مؤشرًا من نوع ما لتأكيد أو نفي مبدأ الكفاءة لدى القاضيات، وبناء على هذه الفرضية توجهنا إلى مختص النظر في الشكاوى ضد القضاة، القاضي محمد عرهب، الذي كشف بدوره لـ "هودج" إنه "لا توجد شكاوى ضد القاضيات، وأغلب الشكاوى ضد القضاة الذكور"، موضحاً: "خلال عام كامل لم ترفع إلا شكوى ضد قاضية واحدة، فالقاضيات أكثر أمانة وأكثر عمليّة، ومن ناحية أخرى قد يكون السبب في ندرة الشكاوى المرفوعة ضدهنّ هو عددهنّ القليل جدّا مقارنة بعدد القضاة الذكور".

"نحن نفضل حمايتهنّ من تلك النظرة وإعطائهنّ فرصة العمل في المحاكم الابتدائية، حيث يصبح القرار الوحيد لهنّ دون منازعة من أحد"

ويضيف عرهب: "عدم تواجد القاضيات بكثرة في الأماكن العامة، وعدم مقدرة المترافعين على الوصول إليهنّ في أوقات أخرى خارج مواعيد الجلسات، أدى بالضرورة إلى خلو أحكامهنّ القضائية من أية ملابسات متعلقة برشوة أو عاطفة".

جذور سياسية

وتصف المحامية هبة العيدروس جذور المشكلة بأنها "جذور سياسية قديمة سببها قيام حكومات سابقة بغرس ثقافة التجهيل وتغييب المرأة في مختلف المجالات، وليس فقط في المجال القانوني، أما القانون اليمني فلم ينص أبدًا على حرمان امرأة من أن تصبح قاضية استئناف أو في المحكمة العليا".

وتطالب العيدروس منظمات المجتمع المدني بدعم هذا الحق، "ينبغي على المنظمات الحقوقية اليوم أن تعمل على مناصرة قضية وصول القاضيات إلى منصات المحاكم والنيابات بمختلف درجاتها"، وتضيف: "لا يجب على القاضيات السكوت عن المطالبة بهذا الحق، ويمكن أن يطلقنّ دعوة للمنظمات طلبًا للمناصرة".