صنعاء- مروى العريقي

ليس من الغريب على سكان مدينة صنعاء رؤية الأسر المشردة تبات على الأرصفة وتتجول في الشوارع بحثا عما يسد الرمق ، تلك المدينة التي تشهد عامها السادس على التوالي منذ انقطاع رواتب موظفي القطاع الحكومي بشقيه المدني والعسكري، وتوقف نشاط عدد من شركات القطاع الخاص والأهلي وما تسبب فيه كل ذلك من تراجع فرص العمل امام المواطنين..

نساءٌ وأطفالٌ لفظتهم الحرب واحتضنهم الشارع فأصبح المكان الذي يأويهم على الرغم من اشتداد البرد فجرا، وارتفاع حرارة الشمس ظهراً.

ذات المشهد يتكرر في عدة مناطق ومدن يمنية اخرى اسر كثيرة كحال هذه الأسرة التي وجدت جوار سور وزارة الخارجية –في حكومة الإنقاذ الوطني-  التابعة للحوثيين في صنعاء مكانا تستقر فيه..

 

"الشكوى لغير الله مذلة"بهذه العبارة تحكي أم صقر (28 عاما) لمنصة مكانتي تفاصيل يومها على هذا الرصيف "يمضي يومي عادي اغسل الملابس واذاكر للأولاد أيام اختباراتهم، عيالي الثلاثة الكبار يدرسوا و2 عند أمي و3 معي هنا"

تتناوب الفتيات على نقل الماء لوالدتهن من أجل غسل ملابس العائلة بينما تلعب الثلاث الصغيرات جوار أمهن وهي تغسل الملابس وتذاكر لأخوتهن..

لم تكمل أم صقر وهي أم لثمانية من الأبناء والبنات تعليمها الثانوي إلا أن حرصها على تعليم أبنائها دفعها لتولي مسؤوليتهم الى جانب والدهم المعاق كي يواصلوا تعليمهم ويجدوا مكانا يليق بهم في المجتمع ذات يوم كما تقول.

" اجلس هنا والله يدي رزقي ورزق اولادي، ما أحد لأحد لا أحد يساعدني لا من اسرتي ولا من اسرة زوجي، عيالي الكبار يدرسوا والصغار لما يكبروا بيدرسوا عشان ينفعوا أنفسهم"..

بعينين مغرورقتين تواصل ام صقر حديثها لـمكانتي، "كنا جالسين عند الناس لما سهل الله لنا بيت ايجار في الخمسين غرفتين وحمام ومطبخ ب 30 ألف –ما يعادل 50$- أهم الايجار وأهم صرفه العيال، لكن الله كريم ما يضيعني"..

نزحت الأسرة الى صنعاء في العام 2015 بعد تضرر منزلهم في حرض بمحافظة حجة من قصف طيران قوات التحالف العربي" كنا ساكنين بجولة عمران ست سنوات وصاحب البيت خرجنا قال بيزوج ابنه"..

تتناول الأسرة الشيء اليسير من الطعام وفق مايجود به عليهم المارة وأصحاب المطاعم القريبة " يجزع واحد يدي لنا قيمة زبادي وإلا واحد يدي لنا كدم او أي شيء معه والعشاء الله يسهل من عنده"..

لا تمتلك أم صقر هوية شخصية وزوجها أضاع هويته بسبب النزوح المفاجئ للأسرة "يجوا ناس يسألوني من أين أنت وأينه أبو العيال واسئلة كثيرة لكن ما يساعدوني ولا يرجعوا"..

 

بيت بلا سقف!

ألقت الحرب بظلالها على الطبقة ميسورة الحال في البلاد فأنهكتهم بحسب الدكتورة بلقيس محمد علوان -أستاذ الإعلام المساعد بكلية الإعلام في جامعة صنعاء- خلا حديثها لمنصة مكانتي:

" كشفت الحرب مع ما خلفته من دمار وتشريد ونزوح ستر الملايين من اليمنيين، ليس فقط البسطاء ولكن أيضا من الطبقة المتوسطة التي تكاد تكون اختفت لا ابالغ إن قلت إن أغلب اليمنيين يراوحون حول وتحت خط الفقر فانقطاع المرتبات، وانهيار العملة وشحة فرص العمل ثلاثية ترتبت على الحرب وخلفت كارثة انسانية".

تصف علوان لجوء هذه الفئات إلى الشارع بأنه حال غير آمن: الشارع أصبح مكانا نعم لكن من قال إنه آمن؟ هؤلاء كمن يسكن بيتا بلا سقف ولا ابواب أين الأمان هنا. ".

خلط الإعلام بالسياسة

تأسف علون عن تقصير الاعلام المحلي في الحديث عن مشكلات من هذا النوع: للأسف لا يسلط الاعلام الضوء على الجانب الإنساني إلا بقدر ضئيل وخجول وأحيانا كثيرة يوظف توظيفات سياسيا. الوضع الانساني في اليمن كارثي ولكن لا يلتفت اليه كما ينبغي".

 

اشباح من البشر

إيلين عبد الله – ناشطة مجتمعية- تعتبر أن الشارع أصبح أكثر ملاءمة للكثير من الأسر التي لا يستطيع دفع ايجارات المنازل وترجع ذلك إلى الصراع الذي دمر الانسان واهان كرامته كما تقول..

وتضيف: نرى الكثير من الناس كأشباح من الفقر والمرض والعوز، اطفال بدون تعليم، نساء واطفال يقضون الساعات في الشوارع بحثا عن لقمة العيش الحرب اوصلتنا الى هذا الحال"

 

قلق من قادم أسوأ

المهندس عادل الحمادي –مواطن- يعتبر الشارع والرصيف اليمني سكن الكثير من اليمنيين في كثير من المحافظات جراء ماوصفه بقصور خطط الإغاثة لدى المنظمات الاغاثية ما يجعلنا نقلق من قادم أسوأ"

من المسؤول؟

تأثرت أنشطة المنظمات الاغاثية العاملة في صنعاء بعد انشاء السلطات فيها ما اسموه المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي خاصة بعد توقف الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة، على إثر ذلك تم تقييد العمل فلا تستطيع المنظمات المحلية تنفيذ عملية المسح الميداني للمتضررين كما لا تستطيع توزيع السلال الغذائية أو الحقائب المدرسية للطلاب ، أو وجبة إفطار لعدد من المدارس إلا بتصريح من المجلس، الأمر الذي قد يستغرق 6 أشهر لاخراج التصريح، بحسب البعض

وكان المجلس السياسي الأعلى –وهو أعلى سلطة إدارية حاكمة في صنعاء –  اصدر قرارا يحمل رقم (201) لسنة 2019م بأنشاء المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي.

 

تكلفة الحرب

على مدى سنوات الحرب في اليمن وما قبلها أبُرمت الاتفاقات الواحدة تلو الأخرى ولم يلقى المواطن اليمني سوى المزيد من التشرد والجوع والفقر، بحسب الدكتور محمود البكاري -أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز- "لا شك أن أي حرب لها تكلفة اجتماعية باهضه حيث تدفع الثمن مختلف فئات المجتمع خاصة الفئات الأشد فقراً التي تتعرض لصعوبات في تأمين متطلبات الحياة وأغلبها لا تملك مسكنا ولا تستطيع الايفاء بدفع ايجارات منازلها فيكون ذلك مدعاة لإخراج هذه العائلات من مساكنها من قبل المؤجرين فتضطر افتراش الأرض والتحاف السماء"..

ويضيف البكاري: ولّد النزوح معاناة للعديد من الأسر حيث اجبرت العديد من العائلات على ترك منازلها خاصة تلك التي تقع في مناطق الصراع "

منذ الصباح وحتى مغرب كل يوم تظل ام صقر عرضة لأسئلة المارة ونظراتهم نحو ام تسكن الشارع وتغسل ملابس اطفالها وتذاكر لهم دروسهم دون الحاجة لاستعطاف المارة  بأية عبارات فهي ترى ان من يريد ان يساعد عليه ان يقوم بذلك من تلقاء نفسه