عمران فرحان

طالت الحرب في اليمن الأبنية المعمارية والاجتماعية معًا منذ اندلاعها في آذار/ مارس2015م وما تزال، في ظل توزع الأطراف المتصارعة سيطرتها على مناطق البلاد المختلفة، وانعكس ذلك على أحد أهم الأبنية الاجتماعية "الأسرة" التي عمقت فيها الحرب شرخًا كبيرًا، كإحدى النتائج التي خلفتها بتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، وأدت بالاتساع في مصير يقود إلى المجهول الذي فاقم معدل ارتفاع فسخ عقد الزواج، وجعلها القضية الأبرز التي تشغل المحاكم، وتتصدر قائمة القضايا المطروحة في جلسات المرافعات.

أكثرمن ثمانمائة طلب فسخ عقد زواج قدم لمحكمة غرب تعز الابتدائية منذ إعادة افتتاحها بوسط المدينة، جنوب غربي اليمن، في 2018م وحتى منتصف العام الماضي، بينها قضايا لم تستكمل المرافعات بسبب لجوء الزوجيين للحل الودي، والبعض لم يواصلا إجراءات التقاضي أوالعدول عن الطلب المقدم للمحكمة، وفقًا لجمال المقطري، أمين سر بمحكمة غرب تعز الابتدائية.

إحصائية القضايا التي فصلت فيها محكمتي غرب وشرق تعز انفوجراف

فور إنهاء إحدى جلسات المحاكمة (محكمة الغرب الابتدائية) بمعية إحدى المحاميات التي تبرعت بالدفاع عنها، تقول وداد أحمد (اسم مستعار)،21 عامًا: "لجأت إلى المحكمة بطلب فسخ عقد زواجي بعد انقطاعه عن النفقة، وكلما طالبت أسرته أتعرض وأسرتي للشتم، ووصل الحال إلى التحدي والتهديد أن تبقيني أسرة الزوج معلقة؛ لا متزوجة ولا مطلقة".

"خلال شهرين من النصف الأول لعام 2021م، رصد معد التقرير 63 إعلانًا لطلب فسخ عقد زواج معلقة على جدران محكمتي شرق وغرب تعز في المجمع القضائي بوسط المدينة"

وتضيف وداد: "عشت حياة صعبة بعد انقطاع النفقة ما اضطر أمي للشغل؛ لأنه ليس لدينا من يوفر لنا احتياجاتنا المعيشية، خاصة بعد وفاة أبي أثناء اختباراتي في الثانوية العامة، وقتها وعدني زوجي بمواصلة دراستي، ثم تملص من وعده".

تتابع:"حاليًا أريد التخلص من إجراءات التقاضي، وإتمام فسخ عقد الزواج، والعودة لاستكمال دراستي، وتحقيق هدفي الذي كنت أطمح له قبل زواجي بدراسة المختبرات؛ منأجل حصولي على فرصة عمل للتخفيف عن أمي تبعات إعالتها للأسرة والأعباء التي ضاعفتها مشكلتي الزوجية".

خلال شهرين من النصف الأول لعام 2021م، رصد معد التقرير 63 إعلانًا لطلب فسخ عقد زواج معلقة على جدران محكمتي شرق وغرب تعز في المجمع القضائي بوسط المدينة،منها 12 إعلانًا بسبب عدم معرفة إقامة الزوج، ما يسمى قضائيًا بالـ "مجهول الموطن"، فيما بقية الإعلانات توزعت بين دواعي النفقة والحضور للرد على الدعاوي المقدمة للمحكمة من النساء بطلب الفسخ.

يتفق المحاميان، عصام الأغبري وسهير الأصبحي، حول دوافع ارتفاع معدل فسخ عقد الزواج التي أدت بانقطاع الأزواج عن زوجاتهم نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي أحدثتها الحرب، بالإضافة للعنف الأسري، وتعدد الزوجات مع عدم القدرة على الإنفاق؛ ما جعل كثير من النساء يلجأنّ لتقديم طلب فسخ عقد وخلع الزواج بشكل لم يعهداه المحاميان خلال مسيرتهما المهنية الممتدة منذ ما قبل الحرب.

يضيف الأغبري، الذي عمل في العام قبل الفائت بالدفاع عن أكثر من 20 قضية فسخ عقد زواج،أنه لاحظ خلال المرافعات أن النسبة الأكبر في تلك القضايا جاءت نتيجة التحاق الشباب بجبهات القتال، أبرزها في محافظة مأرب (شرق اليمن) والبقع، إحدى جبهات القتال التي استقطب فيها الشباب مقابل الأموال التي يحصلون عليها، لتوفير لقمة العيش بعد تقلص فرص الدخل وتضخم البطالة بسبب الحرب.

"العيب"سبب لرفض التقاضي

بدأت المشكلة بين وداد وزوجها بعد أربعة أشهر ونصف من زواجهما في العام 2018م، والسبب لجوؤها إلى منزل والدتها بعد انقطاعه عنها منذ شهر أغسطس 2018م وحتى اليوم، ومؤخرًا اكتشف أن الزوج لجأ إلى السعودية للاغتراب، ويرفض إجراءات التقاضي بعد أن نصبت المحكمة محاميًا للدفاع عنه.

حاولنا التواصل مع زوج وداد لكنه لم يرد، ومثله أخرون التقيناهم في جلسات المحاكمة بالمجمع القضائي لمعرفة مواقف الأزواج ومبرراتهم من لجوء النساء لطلب الفسخ، وهو ما أرجعه المحامي عبدالفتاح الحكيمي "للعيب" الذي يعتبره هؤلاء في حالة الحديث عنه.

مواد قانونية

يمنح قانون الأحوال الشخصية اليمني في مادته 52 للمرأة حق فسخ الزواج، حيث تنص في الفقرة الأولى على "لزوجة الغائب في مكان مجهول أو خارج الوطن فسخ عقد نكاحها بعد انقضاء سنة واحدة لغير المنفق، وبعد سنتين للمنفق، على أن تنصب المحكمة الأقرب فالأقرب ليتمكن من إعلان الغائب في محل معلوم في ظرف شهر بأي وسيلة"، ويمنحها حق الفسخ في نصوص المواد (55،54،53،51،50) في حالات تمرد الزوج على الإنفاق والكسب، أو عدم قدرته على ذلك في حال تعدد الزوجات أو الكراهية، وهنا يشترط تحري القاضي عن السبب، وأخيرًا إدمان الزوج على الخمر.

"تعتبر العريقي السبب الرئيس في مضاعفة هذه الظاهرة في السنوات الماضية هو انتشارالمنظمات الدولية بما تفرض من شروط لتقديم معوناتها إما للمرأة المطلقة أو الأرملة"

يتفق قاضيا الأحوال الشخصية، محمد عبد الوهاب العباسي "محكمة الغرب الابتدائية"،ودليل غالب الشرعبي "محكمة الشرق الابتدائية" (عملا بالأحوال الشخصية حتى مطلع العام الحالي)، في تأثير انقسام وتزاوج السلطات بين أطراف الحرب في اليمن على العلاقات الأسرية، حيث أجبر كثير من السكان على النزوح من منازلهم المتواجدة في حدود سيطرة تلك الأطراف نتيجة الاشتباكات، وكذلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي ألقت بتبعاتها على الأسر، وفاقمت معدل زيادة فسخ عقد الزواج

بحسب القاضي العباسي، فإن القضايا التي ينظر فيها سنويًا تقدر بـ 150 قضية فسخ على الأقل، غير التي تصل لزملائه بالمحكمة ذاتها، ويرجع أبرز أسبابها للغياب وعدم الإنفاق، موضحًا أن "الحرب أعاقت القضاء، عند تنفيذ ما يترتب على حكم الفسخ تواجهنا مشكلة تنفيذ الأحكام؛ بسبب أن بعض الأزواج نازحون في مناطق قريبة من معسكرات، وبعض النساء متزوجات إلى مناطق سيطرة أحد الأطراف والعكس، إضافة لارتباط الأزواج سياسيًا تركوا النساء، كل هذه الأسباب وغيرها أدت لزيادة فسخ عقد الزواج".

مواجهة الواقع الاجتماعي

ترى رئيسة قسم علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتورة ذكرى العريقي، الآثار لظاهرة فسخ الزواج من جانبين؛ جانب إيجابي يتمثل بكسرالحاجز النفسي المرتبط بالموروث الثقافي لدى المرأة اليمنية التي كانت تعاني الكثير في حياة زوجية فاشلة، ولا تستطيع أن تطالب بفسخ الزواج، وأصبحت الآن أكثرقدرة على مواجهة الواقع الاجتماعي المتحفظ إزاء ظاهرة الفسخ، أما الجانب السلبي فهو الأثر النفسي والاجتماعي على الأسرة اليمنية، وما سيترتب على ارتفاع ظاهرة فسخ الزواج من تشتت وعدم استقرار للأبناء والأسرة والمجتمع بشكل عام.

"النسبة الأكبر في تلك القضايا جاءت نتيجة التحاق الشباب بجبهات القتال، أبرزها في محافظة مأرب (شرق اليمن) والبقع"

وتعتبر العريقي السبب الرئيس في مضاعفة هذه الظاهرة في السنوات الماضية هو انتشارالمنظمات الدولية بما تفرض من شروط لتقديم معوناتها إما للمرأة المطلقة أو الأرملة؛ مما أدى إلى إقدام كثير من النساء على اتخاذ قرار الفسخ، لأنهنّ لم يعدنّ قلق اتعلى وضعهنّ الاقتصادي، إذا فقدنّ العائل بسبب الهجر أو عدم الإنفاق.

ويوصي العباسي بإعادة النظر منقبل الدولة لإضافة مواد تراعي المفاجآت التي تعترض الزوج، وتجعله عاجزًا عن الإنفاق خارج إرادته، أو بسبب ظروف قاهرة مثل ظروف الحرب التي واجهت الأزواج، وعلى الأسرة التي يتقدم لها شخص للزواج أن تبحث عن معلومات كافية عنه، بحيث يكون الزوجان متكافئين ليراعيا ظروف بعضهما.