كتب/ خليل كامل

"ما تعرضت له من تحريض كان تحديًا كبيراً، دفعني إلى التفكير جدياً في التوقف عن العمل"، بهذه الكلمات تصف الصحفية رانيا، معاناتها مع حملات التحريض التي تعرضت لها. وفضلت الصمت خوفاً من زيادة الخطر وحماية نفسها وأسرتها، على الرغم من الاتهامات الخطيرة التي وجهت إليها.

تعيش الصحفيات اليمنيات ظروفًا قاسية ناجمة عن الانتهاكات المتكررة والتحريض المجتمعي، مما يدفع الكثير منهن إلى التزام الصمت كخيار يضمن سلامتهن الشخصية وأمان أسرهن. هذا التوجه نحو الصمت يعكس واقعاً صعباً، يتفاقم بسبب غياب الأمن، والعادات والتقاليد المجتمعية المقيدة، وهو ما جعل الأطراف تتمادى في التجاوزات والإساءات بحق الصحفيات دون الخوف من العواقب، وفقًا لتقرير مرصد الحريات الإعلامية لعام 2023.

لماذا نصمت

تقول رانيا تعرضت لحمله تحريض واسعه واتُهمت بالعمالة لصالح دول اجنبية ونُشرت هذه الاتهامات باللغتين العربية والانجليزية. شعرت بالخطر الشديد واستشارت حقوقيين وأصدقاء قبل أن تتخذ قراراً بعدم نشر تفاصيل الواقعة. وأوضحت: "فضلت الصمت لحماية نفسي وأسرتي، فالتحريض أخف وطأة من عواقب المواجهة".

رانيا أبلغت نقابة الصحفيين ومرصد الحريات الإعلامية، مؤكدة أن العمل الصحفي في اليمن يشكل مخاطرة كبيرة للنساء في ظل تفشي التجاوزات بحقهن

من جهتها، ياسمين، روت تجربتها المؤلمة عندما أوقفتها مجموعة مسلحة أثناء إعداد تحقيق صحفي حول المباني العشوائية، خضعت للتحقيق، مما دفعها إلى التوقف عن العمل لثلاثة أشهر. تقول: "اضطررت للكتابة باسم مستعار، ولم أبلغ أسرتي بما حدث خوفًا من منعهم لي عن العمل أو زيادة الخطر علي."

أما بشرى، فتفضل الصمت عن تهديدات تعرضت لها. تقول: "عندما تتحدث عن قضيتك وتصديرها للمجتمع، يتضاعف العنف ضدك وضد أسرتك، وتبقى الآثار النفسية ترافقك طويلًا."

أضرار نفسية

تقول ياسمين أن الحالة النفسية التي مرت بها أثرت على إنتاجيتها في العمل على الرغم من تجنبها الكتابة في المواضيع السياسية الى انها لم تسلم من التهديدات والمضايقات خصوصا أنها تسكن في احدى مناطق جماعة الحوثيين المعروفة بعدائها للصحفيين

أما بشرى فتعتبر الضغوطات النفسية أكبر تحدي واجهته، وانعزلت لفترة عن الناس والعمل وهو ما أثر بشكل كبير على حياتها الشخصية والمهنية.

من جانبه، أوضح الأخصائي النفسي جميل الأديمي أن هذه التحديات النفسية تشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العقلية للصحفيات. وأشار إلى أن الأعراض الشائعة تشمل زيادة ضربات القلب، اضطرابات النوم والأكل، الشعور بالتوتر والإرهاق، العزلة الاجتماعية، وضعف الإنتاجية المهنية، مع تفاوت هذه الأعراض من شخص إلى آخر.

أكد الأديمي على ضرورة اتباع استراتيجيات للرعاية الذاتية للتخفيف من الآثار السلبية لهذه الضغوط النفسية. تشمل هذه الاستراتيجيات التغذية السليمة، ممارسة الرياضة بانتظام، والانخراط في هوايات مفضلة. وأوصى بأن يتم ذلك تحت إشراف متخصص لتجنب حدوث آثار عكسية.

احصائيات

المدير التنفيذي لمرصد الحريات الإعلامية محمد إسماعيل، يقول إن الكثير من الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيات لا يتم الإعلان عنها أو نشرها من قبل الصحفيات خوفًا على حياتهن وسمعتهن، مما يصعب علينا رصدها وتوثيقها.

حيث تم رصد 51 انتهاكًا فقط، خلال العشرة السنوات الماضية، مارستها جميع أطراف الصراع في اليمن وبدرجات متفاوتة. وكانت جماعة الحوثي الأكثر انتهاكا لحريات الرأي والتعبير

من هذه الانتهاكات التي تتعرض لها الصحفيات هي القتل والاعتقال والاعتداء اللفظي والجسدي، إلى جانب الابتزاز والتنمر والخوض في أعراضهن وتشويه سمعتهن عبر المنصات الإلكترونية والإعلامية المتنوعة، مما يضع الصحفية وأسرتها في وضع نفسي وإنساني صعب.

نماذج تعكس الواقع

قصة الصحفية رشا الحرازي التي قُتلت بطريقة وحشية، تعكس مدى الخطر الذي يحيط بالصحفيات. حيث مجهولين متفجرات أسفل سيارة زوجها اثناء ذهابهم للمستشفى لوضع جنينها، ماتت رشا وتقطعت اشلاء قبل ان تصل للمستشفى لوضع ما في رحمها.

أما الصحفية هالة باضاوي، فتعرضت للاعتقال بطريقة غير قانونية لأكثر من 100 يوم، وتعذيبها ثم تشويه سمعتها بفيديوهات ملفقة، مما أدى إلى دخولها في وضع نفسي وإنساني صعب، وأعاق بصورة ملموسه عملها الصحفي. هذه الحالات ليست استثناء، بل تمثل نمطًا مستمرًا من الانتهاكات الممنهجة.

مساندة قانونية

المحامية والحقوقية هدى الصراري شددت على أهمية التبليغ وعدم الصمت ضد الانتهاكات. موضحاً أن القاعدة القانونية في اليمن تنص على أن "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني"، مما يجعل من الضروري رفع دعاوى قضائية واستيفاء السبل الوطنية للتقاضي.

وأشارت الصراري إلى أن التحديات القانونية التي تواجه النساء في اليمن تشمل وجود قوانين غير منصفة، أو تطبيقها بشكل متحيز، إلى جانب ضعف الحماية، وارتفاع تكاليف التقاضي، وجهل النساء بحقوقهن القانونية والإجراءات المتاحة، فضلاً عن صعوبة تنفيذ الأحكام بسبب الفساد أو ضعف المؤسسات.

وأكدت أن الحل يكمن في تعزيز الإصلاحات القانونية، وزيادة التوعية، والمناصر المجتمعية، وتوفير خدمات قانونية ميسرة للتعامل مع هذه الانتهاكات.

وفي نفس السياق، قال محمد إسماعيل بان المرصد لدية فريق قانونية لتقديم استشارات قانونية مجانية والدفاع والترافع أمام الجهات الأمنية والقضائية، وأيضا يمتاز المرصد بتقديم المراجعة القانونية للتحقيقات الصحفية قبل النشر. لكنهم يواجهون صعوبة في الوصول للانتهاكات التي تتعرض لها الصحفيات.

الدعوة إلى التغيير

تجسد هذه القصص واقعاً صعباً تواجهه الصحفيات اليمنيات في صراعهن اليومي للاستمرار في العمل. الصمت بالنسبة لهن ليس خياراً طوعياً، بل نتيجة لواقع قاسٍ يفرض نفسه. في ظل غياب قوانين واضحة تحمي النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وعدم وجود آليات لحماية الصحفيات والعاملات في الشأن العام، يصبح تعزيز دور المجتمع المدني ضرورة ملحة.

يشمل ذلك إنشاء مراكز استماع نفسية، وتطوير طرق للإحالة والتعامل مع الشكاوى، وتحريك الدعاوى القضائية لمواجهة التحديات الأمنية والاجتماعية.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي   الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي