كتبت/ بشرى الحميدي

"كنت أظنها علاقة حقيقية، لكنها بدأت تطلب مني صوري الشخصية، بينما كانت تتهرب من أي ظهور حقيقي" يقول سليم (اسم مستعار) الذي تعرف على فتاة عبر موقع تواصل اجتماعي، تطورت بينهما علاقة عاطفية إلكترونية استمرت ثلاثة أشهر، كانت الفتاة تبادله مشاعر الحب والاهتمام، لكنها كانت ترفض إرسال صورتها أو إجراء مكالمات.

مع مرور الوقت، تحولت العلاقة إلى تهديدات، وبدأ الطرف الآخر يطالب سليم بمبالغ مالية مقابل عدم نشر الصور والمحادثات. لجئ سليم إلى خبير تقني، لتكون المفاجأة أن الحساب يديره رجل، بل أحد زملائي، كان ينتحل هوية فتاة بهدف الخداع والتلاعب.

لم يعد انتحال الشخصية يقتصر على سرقة الصور أو الحسابات في العالم الرقمي، بل تطوّر ليشمل استخدام أسماء وهويات أنثوية زائفة، بهدف خلق شعور زائف بالأمان وكسب الثقة تمهيدًا للاحتيال والخداع. ويستهدف هذا الأسلوب بشكل خاص الرجال الذين يظنون أنهم يتواصلون مع فتاة، ليكتشفوا لاحقًا أنهم وقعوا في فخ محكم يديره رجل متخفي خلف الشاشة.

أعداء مقربين

لم يتوقع حسام (اسم مستعار)، هو الآخر، أن يكون الضحية لحساب وهمي مزيف يحمل صورة "مجندة أمريكية"، ولم يتخيل أن إدارة الحساب كانت تتم بواسطة زميل عمل مقرب منه استغل صداقته وثقته وخصوصياته لتنفيذ أجندة سياسية دقيقة، في توقيت حساس.

يقول حسام إن الحساب ارتبط بسرد قصة فتاة أميركية تزعم خدمتها في قاعدة العند البريطانية، وتعبّر عن حبها لليمنيين ورغبتها في الزواج من يمني. استجاب مسبقًا جزئيًا بدافع الفضول، وكان يشك داخليًا لكنه ظل يراقب. تطورت المحادثات إلى علاقة افتراضية، افترض فيها أنهما "تزوجا" سيبرانيًا، إلى أن كشفت الفتاة زيف علاقتها، واستغلت الباب الذي فتحه لها لتسيطر على حساباته، وتتحكم في منشوراته وتواصل باسمه، مما جعله يشعر بأنه فقد السيطرة على وجوده الرقمي تمامًا.

بعد التحقيق وترجيع المحادثات مع زملاء، اكتشف أن الحساب لا يعود إلى مخترق خارجي، بل كان من إنشائه والتشغيل يديره زميل مقرب، تقلّد شخصية فتاة لاختراقه وإحداث تصدع في صداقتهما الواضحة.

تمكنت الجهات الأمنية من تحديد عدد من المتهمين من خلال تحليل الأدلة الرقمية كالمراسلات، الهواتف، وسندات التحويل المالي، وتم تقديم هذه الأدلة أمام النيابة لمقاضاتهم

حسابات لجمع الأموال

تتعدد أشكال الخداع الإلكتروني، لكن أخطرها ما يمارس تحت غطاء الرحمة، وباسم الحاجة الإنسانية، باستخدام حسابات نسائية وهمية لاستدرار العاطفة وجمع الأموال بطرق ملتوية.

يتحدث أنس (اسم مستعار) لمنصة هودج "عن تجربته الشخصية مع محاولة احتيال رقمي كادت أن توقعه ضحية، لولا الحذر والتأكد.

في عام 2019، تلقى رسالة عبر تطبيق "ماسنجر" من حساب يحمل اسم فتاة نازحة، يدعي أنها تطالب بالمساعدة العاجلة لعائلة نازحة. استخدمت رسائل المحادثة ومنشورات مصمّمة بعناية، بالإضافة إلى صورة تظهر امرأة مع أطفالها، لإثارته عاطفيًا.

عندما طلب منها وثائق رسمية للتحقق، رفض الحساب بل حظر تواصله فورًا، مما أثار شكوكه. لاحقًا قرأ منشورات لأصدقاء آخرين يطالبون بمساعدات لحالة مماثلة، ما دفعه للغوص في التعليقات ليكتشف شبكة واسعة من الحسابات الوهمية تستغل قصص نازحين يمنيين لجمع الأموال زائفًا. حينها أدرك أنه كان قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في فخ ذو تنظيم محكم.

العلاقات الافتراضية تختلف جوهريًا عن العلاقات التقليدية، بفعل غياب الحواجز النفسية والاجتماعية التي كانت تحد من سرعة الانجذاب والتواصل

تقول المختصة التقنية في منظمة YODET ومدربة الأمن الرقمي، نور خالد، إن استغلال الهوية الأنثوية عبر الإنترنت أصبح من أكثر أساليب الاحتيال الإلكتروني شيوعًا، ويتم ذلك بعدة طرق أبرزها اختراق حسابات حقيقية تعود لنساء، أو إنشاء حسابات وهمية بأسماء مستعارة وصور نسائية مسروقة من الإنترنت أو مولدة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وأوضحت خالد في حديثها لمنصة هودج أن الجناة غالبًا ما يختارون صور فتيات غير مشهورات لكن جذابات لاستخدامها في خلق حسابات مزيفة بمحتوى دقيق - ديني، عاطفي أو اجتماعي - ويُعزز هذا الوهم عبر وجود أصدقاء أو متابعين مشتركين لإيهام الضحية بوجود اهتمامات مشتركة. وتؤكد أن الهوية الأنثوية المزيفة تكون أكثر تأثيرًا عاطفيًا، مما يسهل التلاعب وينشر الثقة، مستغلاً النظرة النمطية للمرأة كضحية، مما يقلل الشك والتبليغ ويمنح هذه الحسابات حظًا أكبر من النجاة من التدقيق أو الحظر.

علاقات الإلكترونية الوهمية

مع تسارع الاعتماد على العالم الرقمي في بناء العلاقات، ظهرت تحولات جوهرية في طبيعة التواصل الإنساني، إذ بات الكثير من الأفراد ينخرطون في علاقات عاطفية إلكترونية تتجاوز الحواجز التقليدية، لكنها في المقابل تحمل مخاطر نفسية وانعكاسات اجتماعية معقدة.

يُبرز أستاذ علم النفس الاجتماعي، الدكتور مصطفى شكدالي، في حديثه لمنصة هودج أن العلاقات الافتراضية تختلف جوهريًا عن العلاقات التقليدية، بفعل غياب الحواجز النفسية والاجتماعية التي كانت تحد من سرعة الانجذاب والتواصل. في العالم التقليدي، كان التردد والضوابط الاجتماعية الاجتماعية تحكم بدء العلاقة، بينما في البيئة الرقمية يُمكن بدء علاقة من خلال شاشة الهاتف أو الحاسوب بدون قيود.

ويشير إلى أن بعض الرجال أكثر عرضة للانجذاب إلى حسابات تحمل أسماء وصورًا نسائية، خاصة تلك التي توفر انطباعًا بالأنوثة والثقة، ما يُسهّل خداعهم عبر محتوى دقيق مهيأ لإثارة التعاطف. هذه الحسابات تستفيد من النظرة النمطية للمرأة كضحية، ما يجعلها أقل تجنبًا للتبليغ وأكثر قدرة على الإفلات من التدقيق الاجتماعي.

ويؤكد شكدالي أن هناك تحولًا نفسيًا حقيقيًا يحدث عندما تتكشف العلاقة المزيفة؛ وهو ما يسميه "صدمة الواقع"؛ أي لحظة الإدراك بأن الضحية كانت تعيش حالة ارتباط وهمي مبنية على خديعة. هذه الصدمة تترك آثارًا نفسية طويلة الأمد، قد تصل حد الرغبة في الانتقام النفسي أو تفشي اضطرابات نفسية مزمنة.

صعوبة التعقب والمحاسبة

في ظل التوسع المستمر لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي، بات انتحال هوية النساء أحد الأساليب الشائعة في تنفيذ جرائم إلكترونية متعددة. ويعد انتحال الهوية على مواقع التواصل الاجتماعي جريمة يعاقب عليها القانون، حتى وإن لم تُستخدم صورة حقيقية، بحسب ما أكد لمنصة هودج رئيس شعبة الابتزاز الإلكتروني في إدارة أمن عدن، العقيد عمر حزام الضالعي.

وأوضح العقيد الضالعي أن هذه الجرائم الإلكترونية تُصنّف قانونيًا على النحو التالي: تُعد احتيالًا حين يُخدع الضحية بهدف مكاسب مالية أو شخصية، وانتحال شخصية حين تُستخدم هوية مزيفة لتواصل أو تشهير، وقد تتحوّل إلى ابتزاز إلكتروني إذا تم استخدام التهديد للحصول على أموال أو مطالب جنسية. كما أشار إلى صعوبة تعقب الجناة، خاصة عند استخدام حسابات وهمية أو برمجيات مثل VPN، أو عند عدم توثيق الحسابات بأرقام هواتف. ومع ذلك، تمكنت الجهات الأمنية من تحديد عدد من المتهمين من خلال تحليل الأدلة الرقمية كالمراسلات، الهواتف، وسندات التحويل المالي، وتم تقديم هذه الأدلة أمام النيابة لمقاضاتهم.

وبين الضالعي أن هناك ارتفاعا ملحوظا في قضايا الابتزاز، وخاصة عبر تطبيق إنستغرام، إذ يتم تسجيل ما بين حالتين إلى أربع حالات بشكل يومي تقريبا، وأن الفريق الأمني يواجه صعوبات في التعقب لكنهم مستمرون في تتبع الجناة مهما تطلب الأمر من وقت وجهد.