كتبت/ أمة الله عبد الله
في ريف مديرية الشمايتين بمحافظة تعز، كسرت مجموعة من النساء الريفيات الصورة النمطية حول المهن "المحتكرة" من قبل الرجال، بدخولهن مجال صيانة منظومات الطاقة الشمسية، وهو مجال ظل لسنوات حكرًا على المهندسين الذكور. لم يكن الطريق سهلاً أمامهن، فالعادات الاجتماعية والنظرة المتحفظة شكّلت تحديًا كبيرًا، لكن الإصرار على التعلم والعمل من أجل تحسين الوضع الاقتصادي ودعم الأسرة منحهن القوة والقدرة على التغيير.
في إطار جهود التنمية المحلية، أقام الصندوق الاجتماعي للتنمية (فرع تعز) دورات تدريبية في صيانة وتركيب ألواح الطاقة الشمسية بمديرية المواسط، استفاد منها 30 متدربًا ومتدربة.
بينما نُفد في مديرية الشمايتين برنامجًا للتلمذة المهنية، الذي أتاح للشباب والنساء التدرب على عدة مهارات، منها الطاقة الشمسية. هذا البرنامج تم تنفيذه بالتعاون بين منظمة العمل الدولية ومنظمة غدق للتنمية، وبدعم من الاتحاد الأوروبي والوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (Sida)
من شغف البرمجة إلى صيانة الطاقة
هبة توفيق، شابة في الـ 24 من عمرها، خريجة دبلوم برمجة حاسوب، وجدت نفسها مضطرة للبحث عن مصدر دخل يعيل أسرتها المكوّنة من أخيها ووالدها المريض، تسرد قصتها "أحببت الهندسة منذ طفولتي، وعندما سمعت عن افتتاح دورة صيانة الطاقة الشمسية في المساحة الآمنة، سارعت للتسجيل.
تعلمت هبة صيانة الطاقة الشمسية، وأصبحت قادرة على العمل وتحسين وضعها الاقتصادي.
تقول: رغم نجاحي لا يزال نشاطي محصورًا في نطاق قريتي بسبب صعوبة تقبّل المجتمع لامرأة تصعد السلالم وتركّب الألواح الشمسية.
البداية الجديدة
التدريب الذي تلقته هبة انعكس على الشابة غدير- 28 عامًا- مطلقة وأم لطفلتين، إذ وجدت في التدريب نافذة حياة جديدة.
تقول لمنصة هودج: "كانت ظروفي صعبة جدًا. بحثت عن وسيلة لإعالة بناتي، وعندما عرفت عن دورة الطاقة الشمسية، قررت خوض التجربة.

وتضيف: في البداية كان عندي خوف شديد بسبب كلام الناس، لكن بعد التدريب أصبحت واثقة من نفسي، وأصبحت أعمل في منازل الجيران والمنازل المجاورة ومنازل الأقارب.
تصف غدير تجربتها بأنها لم تمنحها فقط مصدر دخل، بل أعادت إليها الثقة بنفسها بعد صدمة الطلاق.
الصيانة للحفاظ على الخصوصية
منية- 42 عامًا- نازحة من تعز وتعيش مع عمّها وعمّتها المقعدين، تُعيل أسرة مكوّنة من تسعة أفراد. لاحظت حاجة المجتمع لنساء يعملن في مجال الطاقة الشمسية، خاصة مع سفر كثير من الرجال للعمل خارج مناطقهم.
تقول: "الرجال يمنعون النساء من أن يدخلوا رجال لصيانة الطاقة الشمسية في غيابهم. فكان من الضروري أن تكون هناك نساء متخصصات للعمل في هذا المجال.
لكن منية لم تسلم من العنف اللفظي والتنمر: "قالوا لي كيف تتسلقي السلالم؟ هذه مهنة رجال!". ورغم ذلك، صارت تعمل اليوم في صيانة منازل النساء والجيران، وحظيت بثقة واسعة.
تضيف مبتسمة: "بعض الرجال قالوا لنا: أعطيتنا الأمل، لأن المهندسين الذكور كانوا يخدعوننا، بينما النساء أكثر صدقًا.
كسر الصورة النمطية
الناشطة نورة حجيرة ترى أن ما حدث لا يمثل مجرد قصص فردية، بل تحولًا اجتماعيًا مهمًا.
وتضيف: نساء الريف كسرن الصورة النمطية بعملهن في مجال الطاقة الشمسية. كثير من الناس كانوا يرون أن هذا المجال لا يليق بالنساء، لكن هذه الفتيات أثبتن العكس.
وتواصل: البداية كانت من التعليم والتدريب، ثم انعكس ذلك على أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية. صرن شريكات في إعالة أسرهن، وفي الوقت نفسه قدوة لغيرهن.

آثر ملموس
أما سهام محفوظ، مديرة الإحالة في المساحة الآمنة، فتؤكد أن التغيير الملموس ظهر على أكثر من صعيد: "التدريب فتح أمام النساء فرص عمل جديدة، ومنحهن ثقة كبيرة بأنفسهن. كثير من الأسر اليوم تفضّل أن تدخل نساء لصيانة المنازل حفاظًا على الخصوصية.
وتوضح: هذه خطوة مهمة في مجتمع محافظ. صحيح أنهن ما زلن يواجهن ضعفًا في الأجور مقارنة بالرجال، لكن مجرد وجودهن في هذا المجال يعتبر إنجازًا وكسرًا للتحديات والعادات.
وتضيف: "المجتمع بدأ ينظر إليهن باحترام أكبر. لم يعد يُستهان بالمرأة العاملة، بل أصبحت شريكة في التنمية المستدامة."
من التحدي إلى التغيير
رغم الصعوبات، نجحت هذه التجربة في إثبات أن المرأة الريفية قادرة على اقتحام ميادين جديدة حين تُمنح الفرصة. وما يحدث في مديرية الشمايتين لم يكن مجرد دورة تدريبية عابرة، بل بداية تحول اجتماعي واقتصادي، تصنعه نساء ريفيات أثبتن أن الشمس لا تضيء المنازل فقط، بل تفتح أبوابًا واسعة للأمل والمساواة.