كتبت/ أمة الله عبدالله
في مجتمع يعاني جملة تحديات اجتماعية واقتصادية، تظهر قصص نساء متزوجات يحملن أعباء الحياة بمفردهن لأسباب مختلفة. ونظرًا لتباين القدرات بين النساء وتباين الظروف، فإن من الطبيعي أن تتباين النتائج بين امرأة يمكنها أن تحتمل وأخرى قد تكون أقل قدرة على الاحتمال. وفي كلتا الحالتين يمثل غياب الدعم المادي والنفسي والاجتماعي والأسري أحيانًا مشكلات إضافية.
نماذج نسائية
حفصة، امرأة في الأربعين من عمرها، تعيش في محافظة الحديدة، كان حلمها إكمال تعليمها، لكن ولكونها الابنة الكبرى، أجبرتها رغبة الأهل في تولي مسؤوليات المنزل على التوقف عن التعليم بعد بلوغها الصف السادس من التعليم الأساسي. تقول حفصة: "لم أستطع إكمال دراستي بسبب أعمال المنزل وغياب الدعم من والدي ووالدتي اللذين لم يكونا يشجعانني على التعليم. وعندما بلغت الثامنة عشرة، تزوجت هربًا من أعباء المنزل، لكن الزواج لم يكن حلًا كما توقعت، فمنذ بداية زواجي بدأت معاناتي مع أسرته الذين كانوا يعاملونني بقسوة".
لم تتوقف معاناة حفصة هنا، فبعد ست سنوات من الزواج، تم سجن زوجها، ما ضاعف معاناتها كما تقول: "بقيت أتحمل مسؤولية الاعتناء والاهتمام بأطفالي الثلاثة ووالدي أبيهم، ما سبب لي الكثير من الضغط النفسي والتعب"، وتضيف: "لم أستسلم وكافحت. عملت في بيع البخور والعطور من أجل مساندة أبنائي، ونجحت في تعليمهم. حيث درست إحدى بناتي في قسم التمريض وتعمل الآن ممرضة وتساعدني في سداد أجر المنزل، والأخرى تعمل منقشة حناء".
أمل، امرأة في ثلاثينات العمر، من أهالي محافظة الحديدة، عاشت لسنوات حياة زوجية مستقرة وأنجبت ست بنات. وبحكم أن زوجها يعمل في الجيش، فقد تسببت الحرب الحالية في قلب حياتها رأسًا على عقب. تقول أمل: "نزحنا إلى تعز واضطر زوجي للبحث عن عمل ليستقر به الحال على الحدود اليمنية السعودية. وبعد أن كنا معًا معظم الوقت، أصبح يزورنا مدة شهر واحد كل سنتين. ولكوني في مكان جديد لا أعرف فيه أحدًا، فقد مثل ذلك تغيرًا صعبًا بالنسبة لي، حيث وجدت نفسي دون استعداد مسبق مضطرة للقيام بكافة المهام التي اعتدت عليها داخل المنزل كالعناية بالأطفال، وتلك التي يُفترض أن يقوم بها زوجي خارج المنزل كالتسوق ومتابعة تعليم البنات وحل الخلافات مع الجيران وغير ذلك من أمور جديدة لم أعتدها من قبل".
إلهام، امرأة أربعينية، من مواطنات مدينة الحديدة، تلخص قصتها بعبارة قصيرة كثيرة المرارة: "أنا امرأة متزوجة على الورق". موضحة: "كان زوجي يعمل في الحديدة، لكن فجأة توقف عمله بسبب الحرب. فانتقل للعمل في محافظة حضرموت كسائق لإحدى الشركات." ومنذ بدأ عمله هناك، صرت أعيش وحيدة، حيث يحضر زوجي فقط في إجازة عيد الفطر من كل عام ثم يغادر، تاركًا على كاهلي كل واجباتي وواجباته من أعمال البيت وتربية الأطفال ومتابعة تعليمهم ومشاكلهم واحتياجاتهم اليومية، إلى جانب متابعة قضايا خدمات الماء والكهرباء وجلب البقالة، كل ذلك بمفردي، إلى جانب عملي كمعلمة منشغلة طوال الوقت بأداء الحصص وتصحيح الاختبارات والتحضير للدروس في فصول مختلفة".
في المقابل، تلعب حالة التحدي لدى بعض النساء دور الحافز لتحقيق أقصى قدر من الإنجاز. وتعد حنان إحدى هذه النماذج، حيث تعرض والداها للاعتقال حين كانت في العاشرة من عمرها، لكن ذلك لم يوقفها عن إتمام التعليم المدرسي الذي كانت تذهب إليه سيرًا على الأقدام. أكملت حنان المرحلة الثانوية وبدأت التفكير في مصدر دخل يمكنها من متابعة دراستها الجامعية. فتشت عن الفرص فتعلمت مهارات النقش وتزيين العرائس وضيفات المناسبات، مسخرة العائد في سداد كلفة الانضمام إلى دورات تصميم الجرافيك في عمر الثامنة عشرة كما تقول. ولكونها باحثة جيدة عن الفرص، تحصلت على تمكين اقتصادي من خلال برامج منظمات المجتمع المدني لتتمكن أخيرًا من الانضمام إلى الجامعة كطالبة في قسم التمريض إلى جانب دورها المساعد لزوجها في إعالة أسرتهما الصغيرة.
تعكس هذه القصص واقع العديد من النساء اللواتي يجدن أنفسهن فجأة ودون سابق إنذار محاصرات ما بين معاناة الأعباء الجديدة المضافة والضغط الحياتي والنفسي، سواء حققن نجاحًا كاملًا أو بعضًا منه أو فشلن في إدارة حياتهن، ما يستدعي التوقف أمام أحوالهن كنساء يقمن بدور المرأة والرجل في آن ويفتقرن للدعم الاجتماعي والنفسي، يقول واقع الحال.
أسباب
يعد العامل الاقتصادي أبرز أسباب غياب الأزواج الذين يسافر معظمهم إلى مناطق بعيدة أو إلى خارج الحدود بحثًا عن الرزق، الأمر الذي يصعب معه تواجدهم لسنوات، ما يتسبب في تحميل المرأة أعباء القيام بدوريهما معًا. وبحسب الأخصائية الاجتماعية، منية أحمد سعيد، فإن من أسباب غياب الزوج العمل في بلدان أخرى بحثًا عن موارد أفضل، وهذا الغياب يمكن أن يكون لفترات طويلة أو قصيرة، تترتب عليها الكثير من المتاعب التي ينبغي على المرأة تحملها. من جانبها، تشير الأخصائية النفسية غادة نعمان إلى أن أهم الأسباب لغياب الزوج هي حالة الفقر، حيث يضطر للغربة من أجل تحسين المستوى المعيشي، وهي من الأسباب الرئيسية التي غالبًا ما ترافقها حالة إهمال الزوج للكثير من المسؤوليات، مكتفيًا بتوفير المصاريف الشهرية وملقيًا كافة الأعباء على كاهل الزوجة.
تأثيرات دائمة
بحسب منية، فإن من أهم آثار غياب الزوج عن المنزل انعكاس معاناة الأم على حالة الأطفال النفسية، الذين قد يصبحون غير واثقين من أنفسهم ويعانون من مشكلات نفسية بدرجات مختلفة نتيجة غياب الاستقرار في حياتهم. موضحة أن لغياب الزوج تأثيرًا سلبيًا عميقًا على الأسرة، حيث تشعر الزوجة بفراغ كبير بعدما اعتادت الحصول على الدعم المادي والنفسي والاجتماعي من الزوج، لتجد نفسها فجأة مسؤولة عن كل شيء: البيت، والأطفال، والغذاء، والدواء، والتعليم، والمشكلات الداخلية والخارجية اليومية. وقد تسوء الحالة المعيشية فتتعرض للجوع والفقر والحاجة، ما يضيف إلى الضغوط النفسية التي ترزح تحتها من الأساس، فتفاقم الحالة أكثر وأكثر.
فيما تضيف غادة: "غياب الزوج يصيب الأسرة بالتوتر، ويؤثر على الطلبات المفرطة للأطفال، ما يجعل الزوجة تواجه تحديات كبيرة في تدبير ميزانية الأسرة. كما تحرم الزوجة والأبناء من الدعم العاطفي الذي يوفره رب الأسرة، إلى جانب غياب حقوق الزوجة في التواصل الجيد، وبالتالي التسبب في حالة مستمرة من الحرمان العاطفي".
وتصف الناشطة نهلة المقطري حالة غياب الزوج بترك امرأة تصارع ويلات الحياة والفقر والغلاء والمشكلات والحاجات اليومية وحيدة دون سند موثوق، في ظل غياب المعونات والدور الحكومي الداعم، لاسيما حين تكون الزوجة جاهلة أو نصف متعلمة وغير قادرة على تحصيل وظيفة أو عمل يكفي الأسرة حاجتها المعيشية وتغطية أجور المنزل والخدمات الأساسية. وترى الأخصائية الاجتماعية بلقيس أحمد علوان أن غياب الأب قد يتسبب في تسهيل انحراف سلوك الأبناء، حيث غالبًا ما تعتمد الأم على الأب في تربية الأبناء، خاصةً إذا كانوا ذكورًا، ما يفاقم مشكلات الأم أيضًا.
حلول مقترحة
بحسب الأخصائية الاجتماعية بلقيس علوان، فإن من أهم الحلول أن يدرك الزوج المسافر لفترات طويلة أن لأسرته حقوقًا لا يعوضها المال، وأن من المهم تقييم العلاقة مع أفراد الأسرة بشكل دوري. وتضيف: ينبغي زيادة مساحة الزيارات والحضور واستمرار التواصل والمتابعة مع الأسرة والجيران والأصدقاء والسؤال عن الأسرة وحالها، مشيرة إلى ضرورة أن يستمر الزوج في التواصل مع زوجته ودعمها ومساندتها بشكل منتظم، وتخصيص وقت كافٍ للتحدث حول الأمور التي تعزز الجانب الروحي والعاطفي لديها. كما ينبغي للأب مواصلة التحدث إلى أبنائه وتلمس مشكلاتهم ودعمهم ومساندتهم وإشعارهم بأنهم ليسوا لوحدهم في مواجهة تحديات الحياة.
من جانبها، تعتبر الأخصائية النفسية نعمان أن توفير فرص عمل برواتب جيدة قادرة على تغطية احتياجات البيت والأسرة والأطفال وتحقيق تطلعاتهم وتوفير سبل الدعم النفسي وتنمية مهارات إدارة الخلافات بين الأزواج لضمان الاحترام المتبادل وحقوق الطرفين تأتي على رأس أولويات الحلول، كما تقول.