إصلاح صالح

 

شاء القدر أن تُصاب يقين بسرطان الثدي، وعلى مدى 5 سنوات، خضعت لكل بروتوكولات العلاج المعتمدة، ومنها العلاج الكيماوي، وتحملت كل ذلك في سبيل الشفاء.

شعرت بالكثير من القلق والأرق والخوف من كل شيء حولها، وداهمتها نوبات اكتئاب، وإحساس بأنّ الأرض على اتساعها تضيق بها وعليها.

البداية

يقين عياش الشاطري، 44 عامًا، ابنة قرية "عبر بدر" التابعة لمديرية "تبن" بمحافظة لحج. متزوجة وأم لطفلين: هيثم وبكر. حاصلة على بكالوريوس من كلية التربية، وتعمل منذ 25 عامًا في التدريس. تحملت المسؤولية مبكرًا؛ حيث ساندت والدها في تعليم إخوتها الـ  9إلى أن وصلوا للجامعة.

بعد 6 أشهر من ولادتها بطفلها الثاني في 2016م، أحست يقين بكتلة في الثدي الأيمن، ولم تعرها اهتمامًا حتى كبُر حجمها، "ذهبت إلى الطبيب، وشخصها بكتلة لبنية، وأقرّ عملية لاستئصالها، إلا أنها عادت للظهور بعد أسبوع من العملية، ترددت على الأطباء قرابة العام، تضخم حجم الثدي، ودخلت العملية الثانية والثالثة، لكنّ الكتلة تعود في كل مرة".

الخبر المحزن

في نهاية العام 2017م، تبين أن يقين مصابة بورم سرطاني خبيث في الثدي الأيمن، "حاولت أن أتمالك نفسي، وأجمع شتات عقلي. سألت الدكتور: ماذا عليّ أن أعمل الآن؟ لقد كنت أمام امتحان صعب، إما أن أنتصر أو أُهزم".

"الخيار كان صعبًا، إما العودة إلى القرية والموت بين أطفالي، وإما أن أجري العملية، وقد تكون النهاية"

أخفت المرأة الأربعينية الخبر عن عائلتها؛ حتى لا يصيبهم ما أصابها من حزن، إلا أنها كانت مجبرة في الأخير على إخبارهم بسبب الضائقة المالية، ولتتمكن من إكمال العلاج في الخارج؛ فما تحصل عليه من عملها، 90 ألف ريال يمني، لا يفي بالغرض، كما أن زوجها يعمل بالأجر اليومي، إلا أنّ ردة فعل عائلتها زادت من ألمها، "صدمت لتخليهم عني في أصعب الظروف. كان مبررهم أنّ وضعهم المادي لا يسمح بتقديم المال لي".

رحلة العلاج

انتقلت يقين إلى مصر، وهناك أخذت جرعاتها الأربع من الكيماوي. بدأ جسمها يهزل، وشعرها يتساقط، ووصف الدكتور حالتها بالخطيرة؛ كون الورم قريب من الرئة، ونسبة نجاح العملية ضعيفة، حد قول يقين.

دخلت يقين العملية في 2019م، وهي تتوسل الله أن يبقها لأطفالها، كما تقول، وتضيف: "نجحت العملية، لكني وجدت نفسي دون ثدي! كان من الصعب أن أتقبل فقدان جزء من جسمي، خصوصًا أنّ ذلك الجزء يمثل أنوثتي".

العودة

عادت يقين لإكمال جرعاتها في اليمن؛ فالعلاج مكلف خارج البلاد، وقد أنفقت كل ما تملك، واستدانت من المعارف والأقارب، حتى أصبحت الديون عبئًا إضافيًا يؤرق حياتها بعد 16 جرعة كلفت الواحدة 200$، إلى جانب تكاليف العملية.

"يتعين على محيطها الأسري والمقربين احتضانها والرفع من معنوياتها"

توقفت عن العمل لعامين، وبعد عودتها، عملت على صنع وبيع "العُشَار" والكيك؛ حتى تستطيع أن تسند نفسها، كما تقول.

لم تتلقَ يقين خلال فترة علاجها أو بعده أي جلسات للدعم النفسي، على الرغم من أهميتها؛ فلم تكن تعلم أن هناك من يقدم هذه الخدمة.

بعد  5سنوات، دبت الحياة مجددًا في جسد يقين، وعادت تضفر شعرها، كما أصبحت تزرع الأمل في نفوس أخريات ممن استوطنهنّ نفس المرض، وتقف أمام طلابها مقدمة دروسًا رائعة في الأمل والإرادة وحب الحياة.

جلسات دعم

ويرى الأطباء النفسيون أنّ المريضة بسرطان الثدي تتأثر نفسيتها بشكل سلبي أثناء اكتشاف الإصابة؛ وهو ما قد يقودها إلى رفض العلاج في حال لم تحصل على الاهتمام والرعاية اللازمين.

وتقول الباحثة والمعالجة النفسية، وفاء طلحة: "الدعم النفسي هو أولى الخطوات الصحيحة في رحلة العلاج المتعبة جسديًا ونفسيًا. السرطان عند كثيرين مرادف للموت؛ ما يجعل معظم النساء يغرقنّ بسهولة في بحر الأفكار السلبية بعد اكتشاف إصابتهنّ بالمرض؛ لهذا أحاول مساعدتهنّ على التخلص من تلك الأفكار التي تتسبب لهنّ بإرهاق نفسي كبير".

"معظم النساء يصبنّ بالصدمة عند اكتشاف إصابتهنّ بسرطان الثدي؛ فالأمر يتجاوز مجرد استئصال الثدي إلى التضحية بجزء هام من أنوثة المرأة"

وقدمت طلحة في اليوم العالمي للسرطان جلستي دعم نفسي لـ 15 مريضة بالسرطان، "كانت هناك رحلات ترفيهية، واشتراك في صالات رياضية لناجيات ومصابات، ساهم ذلك في تقديم دعم نفسي كبير لهنّ، وإعطائهن الأمل بأنهنّ لسنّ مجرد جسد مريض، وإنما فعّال في المجتمع، وأنّ الحياة مستمرة، كما كان هناك تواصل ودعم من الناجيات للمصابات".

الملاذ النفسي

وتقول الأخصائية في الطب النفسي، الدكتورة نجلاء الكوماني: "معظم النساء يصبنّ بالصدمة عند اكتشاف إصابتهنّ بسرطان الثدي؛ فالأمر يتجاوز مجرد استئصال الثدي إلى التضحية بجزء هام من أنوثة المرأة".

وتوصي الكوماني المريضات بالاطلاع جيدًا على كل جوانب العلاج والأعراض الجانبية الناتجة عنه؛ استعدادًا للمواجهة النفسية، "كل الأمراض أساسها نفسي، ومنها السرطان، والمريضة إن لم تخضع لعلاج نفسي فهي تستدعي الموت. أنا لا أستطيع مساعدة مريضة لا تسعى لمساعدة نفسها".

تضيف: "يتعين على محيطها الأسري والمقربين احتضانها والرفع من معنوياتها".

الكشف المبكر

وبقدر ما يشدّد الأطباء النفسيين على أهمية الدعم النفسي للمصابة بسرطان الثدي، بقدر ما يشدد أخصائيو الأورام السرطانية على أهمية الكشف المبكر في العلاج.

وتعمل عيادة الكشف المبكر بمقر المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في عدن، الذي تم إنشائه عام 2003م، على جعل الوقاية وعلاج السرطان من أبرز أولويات الصحة العمومية في البلاد، عبر التأكيد على أهمية الكشف المبكر عن الداء الخبيث في المراحل الأولى، ومساعدة المرضى أثناء مراحل العلاج.

"عدد حالات الأورام التي استقبلها المركز الوطني لعلاج الأورام في محافظة عدن، خلال الأعوام 2013 - 2019م، وصلت إلى 6400 حالة"

وبحسب المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، فإنّ عيادة الكشف المبكر استقبلت، خلال يناير - نوفمبر 2021م، 1092 مريضة بسرطان الثدي من محافظة عدن، و915 من محافظة لحج.

تقول مشرفة مركز الحياة للكشف المبكر، الدكتورة أميمة الحمزي: "أي امرأة لديها شكوك، عليها الذهاب إلى المركز للكشف عن طبيعة ومكان الكتلة، وما يصاحبها من أعراض، وفي حال تم التشخيص بأنها سرطانية، يتم تحويل المريضة إلى أخصائي جراحة، والذي بدوره يقوم بأخذ الخزعة من الكتلة، وبعد التأكد من أنها سرطانية، تتم عملية استئصال الكتلة، وفحصها زراعيًا لتحديد طبيعة السرطان ودرجته، وعدد الجرعات الكيماوية المطلوبة، والتي تتم في مستشفى الصداقة، والعلاج الإشعاعي، والذي ويوجد في صنعاء، وبعدها تبدأ بالعلاج الهرموني الذي يستمر من 5 - 6 سنوات، وإذا لم تظهر أي أورام أخرى خلال هذه الفترة، تسمى ناجية".

"سرطان الثدي ناتج عن نشاط خلايا سرطانية، وانقسامها بشكل عشوائي، ويحدث في قنوات أو غدد الحليب، ويعتبر ثاني سبب للوفاة عند النساء بعد سرطان الرئة"

تكمل الحمزي: "بعد استئصال الكتلة، يقرر لها طبيب الأورام، بين فترة وفترة، تقييم للحالة عن طريق الأشعة المقطعية والفحوصات. هنا يأتي دور المؤسسة؛ حيث نقدم تخفيض 75٪ من تكاليف الأشعة المقطعية وفحوصات الدم، إلى جانب الأدوية التي تُقدَم للمؤسسة من بعض المشاريع، منها مشروع "شفاء"، وتصرف مجانًا لمرضى السرطان، وكذلك السلل الغذائية التي تُقدَم من التجار للمؤسسة، ويتم صرفها للمرضى، كما تَصرف المؤسسة تذاكر باص للمريضة ومرافقها إلى صنعاء؛ للقيام بالعلاج الإشعاعي".

الأسباب

وتقول أخصائية علاج الأورام والعلاج بالإشعاع، الدكتورة أماني صالح هادي: "سرطان الثدي ناتج عن نشاط خلايا سرطانية، وانقسامها بشكل عشوائي، ويحدث في قنوات أو غدد الحليب، ويعتبر ثاني سبب للوفاة عند النساء بعد سرطان الرئة، كما أنه يصيب الرجال بنسبة 1٪".

وتفيد: "البلوغ المبكر قبل  12سنة، وانقطاع الطمث المتأخر بعد 55 سنة، والسمنة المفرطة، وعدم ممارسة الرياضة، والتدخين، وتناول القات، وشرب الكحول، واستخدام حبوب منع الحمل بشكل عشوائي، أهم العوامل التي تساعد في ظهور سرطان الثدي، كما قد تتدخل العوامل الوراثية في ذلك".

يعد سرطان الثدي أكثر أنواع الأورام الصلبة عند الكبار انتشارًا بمعدل 28%

وتنصح هادي عند الشعور بأحد هذه الأعراض: "تغير في لون الجلد وشكله أحيانًا؛ مثل قشرة البرتقال، دخول الحلمة إلى الداخل، إفرازات دموية من الحلمة، وجود كتلة في الثدي، وقد يصاحبها ألم" بالتوجه فورًا إلى مراكز الكشف المبكر؛ حيث يوجد في عدن المركز الوطني لعلاج الأورام في مستشفى الصداقة، والمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، ويخدم عدة محافظات جنوبية.

 

الأكثر انتشارًا

وبحسب نائبة المدير الفني لمركز الأورام، ومديرة وحدة رعاية المرأة، الدكتورة صفاء شكري، فأن عدد حالات الأورام التي استقبلها المركز الوطني لعلاج الأورام في محافظة عدن، خلال الأعوام 2013 - 2019م، وصلت إلى 6400 حالة، بلغ عدد الذكور 2332، والإناث 3134، والأطفال 934، وتبين من هذه الإحصائيات أن معدل الإصابة بالأورام بين الذكور والإناث تتراوح بين 36,4٪ و49٪ على التوالي؛ وهذا يظهر زيادة حالات الأورام بين الإناث أكثر من الذكور، وأظهرت الإحصائيات أن الإصابة بالسرطان كانت أكثر ارتفاعًا ما بين عمر 46 إلى عمر 65 عامًا.

تبين الإحصائيات أيضًا أن محافظة عدن تأتي في المرتبة الأولى بمعدل 38,2%، ثم محافظة لحج بمعدل 23,4%، وتأتي محافظة أبين في المرتبة الثالثة بمعدل 14,2%، ومحافظة الضالع في المرتبة الرابعة، ومحافظة تعز في المرتبة الخامسة، بينما تم رصد حوالي 8% من محافظات أخرى.

ويعد سرطان الثدي أكثر أنواع الأورام الصلبة عند الكبار انتشارًا بمعدل 28%، وبلغ عدد إجمالي حالات الوفيات حتى عام 2019م حوالي 322 حالة بمعدل 5%، وحالات الوفيات في الكبار للأورام الصلبة حتى عام 2019م حوالي 59 حالة، ورصد الأكثر وفاة في حالات سرطان الثدي.

وتشير شكري إلى أن المركز الوطني لعلاج الأورام هو المركز الحكومي الوحيد في محافظة عدن الذي يملك جميع الأقسام والمتخصصين في هذا المجال، ويستقبل حالات الأورام، مضيفة: "هناك مراكز أخرى في حضرموت وشبوة وتعز وصنعاء، ويوجد مشروع وحدة أورام في يافع تحت التجهيزات".