عبداللطيف سالمين

 

عشرون عامًا مرت منذ اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1325 العام 2000 بشأن المرأة والسلام والأمن، القرار الذي يتضمن أحكامًا محددة لمفاوضات واتفاقات السلام، شأنها في ذلك شأن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) لعام 1979م، وبينما تحققت إنجازات في مجال وصول المرأة إلى عمليات السلام والمشاركة، لا تزال المرأة مستبعدة إلى حد كبير من المشاركة في عمليات السلام والوساطة.

وعلى الرغم من أن مشاركة النساء المنتسبات إلى الأحزاب والمستقلات في مؤتمر الحوار الوطني شكلت نسبة 28ـ% من مجموعة الأعضاء، إلا أن ديناميات الصراع النامية ظلت تعيد تشكيل الحكومة بطريقة زادت من تقليص دور النساء. إذ لا تضم الحكومة الأخيرة التي شُكّلت في ديسمبر/كانون الأول 2020م في استجابة جزئية لاتفاق الرياض أي امرأة من بين 24 وزيرًا.

"قد بدأت الحلول لإشراك المرأة في السلام من خلال إنشاء التحالفات والمكونات النسوية، وتنظيم الفعاليات على الأرض وفي العالم الافتراضي، وإعداد الدراسات والأبحاث"

وفي العديد من المحطات السياسية الهامة برز مدى الإقصاء الذي تمارسه أعمدة الدولة اليمنية ومرجعياتها، والتي بكل مشاركة تفاوض أو عملية صنع قرار أو غيرها من الأمور الهامة لا يتواجد فيها على الأقل امرأة واحدة، فعلى سبيل المثال، لم تشارك سوى فائقة السيد أحمد باعلوي عن حزب المؤتمر في مفاوضات جنيف2015 م، ولحقتها بعد ذلك الدكتورة نهال ناجي العولقي ممثلة عن الحكومة الشرعية في مفاوضات الكويت 2016م، وفي آخر التشاورات في السويد اختيرت رنا غانم ممثلة عن الحزب الناصري في حكومة الشرعية، ليشكل مسلسل الإجحاف المستمر بحقوق المرأة اليمنية و رصيدها النضالي الطويل شمالًا وجنوبًا.

دور المرأة في عمليات السلام في اليمن

في العام 2018م قام المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن بتشكيل لجنة استشارية نسوية تتكون من 8 نساء من تخصصات وخلفيات سياسية عديدة. قدمنّ أوراقًا سياسية مختلفة، وبعضهنّ حضرنّ مفاوضات ستوكهولم للعام 2018م.

وتؤدي المرأة اليمنية دورًا كبيرًا في جهود السلام على مستوى المسار واحد ونص واثنين وثلاثة؛ كونها في المجموعة النسوية الاستشارية على مستوى المسار واحد ونص، و في منظمات المجتمع المدني والمبادرات التي تقوم بالعديد من الأنشطة المتنوعة المتعلقة بجهود السلام من تأهيل وتدريب ومنتديات حوارية ولقاءات ومؤتمرات ووقفات على مستوى المسار الثاني، بحسب ما أكدته المحامية والناشطة الحقوقية، عفراء الحريري، التي أوضحت أيضًا أن "المرأة اليمنية في المسار الثالث تقوم بالوساطات وحل النزاعات و الإغاثة الإنسانية، وتتواصل هؤلاء النساء مع بعضهنّ البعض، ويتبادلنّ الخبرة والمعلومات، و يناقشنّ القضايا المشتركة التي تصب توصياتها ومخرجاتها في السلام والمفاوضات، وكذلك في حملات المناصرة في سبيل أن تكون هناك نساء على مستوى المسار الأول".

"التفاوض السياسي باليمن دون نساء تفاوض عقيم لن يفضي إلى تحقيق سلام شامل ودائم"

من جهته، يرى المدرب في السلام وليد عبدالحفيظ ماجد أنه إذا ما أتيحت الفرصة للنساء فستقدم الكثير دون مقابل، "وقد بدأت الحلول لإشراك المرأة في السلام من خلال إنشاء التحالفات والمكونات النسوية، وتنظيم الفعاليات على الأرض وفي العالم الافتراضي، وإعداد الدراسات والأبحاث".

ويقول وليد: "هناك الكثير من التشكيلات أو التحالفات النسوية القائمة التي بدأت منذ العام 2015م عبر تشكيل التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام، والذي يضم ستين امرأة من كافة الأطياف، وهناك الكثير من التحالفات التي نشأت اليوم وتجمعت وشكلت مجموعة التسعة النسوية، وتقدم الكثير من الفعاليات والأنشطة على المستوى العام، إضافة إلى فعاليات نسوية تعمل بشكل منفرد مثل شبكة التضامن النسوي وتقدم أعمالًا عظيمة، وقدمت إحاطات أمام مجلس الأمن، وتُعِد دراسات وتحليلات رائعة ومتمكنة في هذه المرحلة".

مفاوضات ناقصة

سعت الجهات المتصارعة في البلاد إلى إقصاء النساء من عملية المفاوضات والتقليل من دورهنّ في إمكانية وضع حل لهذا الصراع لاعتقادها أن حلّه عسكري ولا دور للمرأة فيه، بحسب ما أكده القطابري في حديثه عن النقص في طاولة المفاوضات، والذي شبهه "بالإنسان الذي يمشي في الحياة، ينظر أو يسير بعين ويد واحدة"، كما أعتبر التفاوض السياسي باليمن دون نساء "تفاوضًا عقيمًا لن يفضي إلى تحقيق سلام شامل ودائم".

الأحزاب السياسية وتهميش النساء

وعلى الرغم من اعتبار الأحزاب السياسية حاملة مشروع تربية المجتمع على قيم الديمقراطية والشراكة الوطنية، ويفترض أن هذا هدف رئيسي تُربي عليه عناصرها بدرجة أساسية أثناء العمل التنظيمي، إلا أن الملاحظ من الأحزاب اليمنية أنها قزمت دورها في تعميق شراكة النساء داخل الحزب، وأصبحت تركز على عملية توظيف النساء في الحشد والفعاليات الجماهيرية، كما توضح أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز، وعضوة شبكة التضامن النسوي، الدكتورة ألفت الدبعي، في حديثها لـ "هودج" عن المشكلة التي يعاني منها الأحزاب اليمنية، حيث تقول إن هذه الأحزاب "تستسلم للثقافة الاجتماعية على حساب تقديمها برامج سياسية تعمل على تغيير هذه الثقافة كهدف استراتيجي. وهو ما ينعكس على قضية النساء في المجتمع اليمني بشكل عام سلبًا، والعكس صحيح في حالة تبني الأحزاب لقضايا شراكة النساء كاستراتيجية لتغيير اجتماعي تبدأ من الحزب، وتعمم على كل المجتمع بعد ذلك".

"المجتمع الدولي يقدم دعمًا ماليًا ومعنويًا لمشاركة النساء في عملية بناء السلام، ولكن يرتبط الأمر في عملية المفاوضات بموافقة أطراف النزاع بحسب القرار 2216"

من جهتها، تقول المحامية الحريري أن سبب انغلاق المسارات الحزبية في وجه النساء مقارنة بالفرص المتاحة في المجتمع المدني يعود إلى "كون المصلحة الخاصة والشخصية لقادة الأحزاب والقوى السياسية تعلو على أي مصلحة أخرى بما فيها مصلحة الوطن والمصلحة العامة، والبلد التي يتم إقصاء النساء فيها لا يمكنها أن تتقدم في العملية السلمية بدون النساء أو حتى في التنمية".

وعن توفير الأحزاب السياسية اليمنية للنساء فرصًا للمشاركة في عملية بناء السلام، تقول الدبعي: "الواقع يقول إن قضايا السلام على المستوى الرسمي غالبًا مقصورة على الرجال في جميع الأحزاب إلا ما ندر، ولا يوجد توجه عام من الأحزاب لتكون النساء شريكًا حقيقيًا. لكن الواقع أيضًا يقول إن هنالك واقعًا آخرًا تفرضه طبيعة المنظمات المدنية التي تستهدف الأحزاب ببرامجها في بناء السلام، حيث كانت تشترط إشراك نساء الأحزاب في حضور هذه الجلسات، وهو ما أتاح فرصة لمشاركة بعض النساء الحزبيات في هذه البرامج".

معوقات وحلول

على الرغم من موقف المجتمع الدولي تجاه إشراك النساء في التفاوض وعملية السلام، إلا أن هذا الالتزام قد يتراجع أحيانًا. وعن هذا الأمر تقول الحريري إن المجتمع الدولي يقدم "دعمًا ماليًا ومعنويًا لمشاركة النساء في عملية بناء السلام، ولكن يرتبط الأمر في عملية المفاوضات بموافقة أطراف النزاع بحسب القرار 2216، ومع ذلك يبذل المجتمع الدولي جهودًا من أجل مشاركة النساء في المفاوضات لكونهنّ جزء لا يستهان به من عملية بناء السلام".

وتعتقد الحريري أن ما يمكن أن يساعد سياسيًا في فتح الأبواب أمام القيادة النسائية لصنع السلام في البلاد يتجلى في "تُوحِد جهود النساء عوضًا عن العمل في جزر متناثرة، يشمل الأمر المستقلات مع الحزبيات دون استثناء أو إقصاء لأي واحدة أو جماعة".

وترى أن الحاجة لزيادة الوعي بقضايا النوع الاجتماعي في المجال السياسي لا تقتصر على النساء وحدهنّ، بل الرجال أيضًا بحاجة إلى التوعية بهذا الجانب معللة ذلك بقولها: "لا يمكن أن ننهض بقضايا النساء في اليمن دون أن يكون هناك مساندة كبيرة جدًا من الرجال في تبني هذه القضية".