شيماء القرشي

في ليلة شتوية وتحت جنح الليل، كانت ريم (18 عامًا)، تختلس الخطى في انقيادٍ تام لذويها الذين أتو بها إلى مستشفى ريفي على تخوم مدينة صنعاء، عامدين الوصول في وقتِ متأخر يقل فيه وفود المرضى، تحاشيًا لحدوث ما يعتقدونه "فضيحة" محتملة، لن يتذكر العوام من تفاصيلها غير فتاةٍ عزباء أقبلتْ إلى المستشفى ببطن منتفخ!

ذلك الانتفاخ المريب البادي على بطن ريم (اسم مستعار) - بحسب طبيبة النساء والولادة التي أجرت الكشف لها في المستشفى -لم يكن سوى تورُّم في الأحشاء الأنثوية جراء تراكم الدم المتخثر في شكل تكيُّسا تداخل الرحم، سَبَّبَ لها انتفاخًا مرضيًّا في منطقة الحوض وما يليه من الرحم.

بالنسبة لطبيبة النساء والولادة، كانت نتائج الكشف الطبي وحالة الفتاة الحرجة مقلقة بما يكفي للعزم على إجراء جراحة عاجلة تتطلب فتح جزء بسيط من "غشاء البكارة"، لتنظيف المنطقة بكاملها، تفاديًا لتعرضها للموت المحقق كما أوضحت لذوي الفتاة الذين جاؤوا برفقتها، قبل أن تتفاجأ برفضهم ذلك الإجراء الطبي رفضًا قاطعًا، كان ردهم كما تروي الطبيبة: "تموت ولا تدنس شرفنا".

وبالفعل توفيت ريم قبل شروق شمس ذلك اليوم متأثرة بمضاعفات حالتها فداءً لشرفٍ كان رهينًا ببقاء عذريتها.

ترسبات ضحيتها المرأة

ريم ليست إلا واحدة من عدد يتعذر حصره من النساء العازبات اللائي يُجبرن على الامتناع عن إجراء المعاينة الطبية حين يتعلق الأمر بمشاكل المنطقة التناسلية ما لم تكن متزوجة، بمبرر "العيب"،ودفعًا لأي شبهة قد تلحق سمعة الفتاة وعائلتها واحتمال فرصتها في الزواج مستقبلًا، بحكم أن هذا الانطباع يعد موقفًا مجتمعيًا عامًا، وشكلا من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.

خلال العمل على هذا الموضوع الحساس، كانت منطقة بني حشيش (شرق صنعاء) إحدى الوجهات التي قصدتها معدة التقرير، لمقابلة إحدى الناجيات التي تقرر أن نطلق عليها حليمة (اسم مستعار)، وهي فتاة عزباء تبلغ من العمر 29 عامًا، وتقيم رفقة عائلتها في منطقة ريفية، عانت هي الأخرى من الحرمان من أبسط حقوقها في تلقي العلاج.

بدأت معاناة حلمية بانقطاع الطمث يرافقها آلام حادة في المنطقة التناسلية، تقول: "عرضت على أهلي مرارًا وتكرارًا فكرة الذهاب إلى طبيبة مختصة، لكنهم ظلوا مصرين على عدم ذهابي، وأنه ما فيش بنت"عزبة" تذهب للطبيبة النسائية.. كانوا يقومون بشراء مهدئات أو أدوية من الصيدلية، واستمر بي الحال حتى وصل مرحلة لا تطاق، ولم أعد قادرة على التحمل، فلم يكن منهم تحت ضغط إلحاحي، إلا أن ذهبوا بي إلى أحد مشافي صنعاء، وهناك صدمت بحالتي الحرجة، وأنه لابد من إجراء عملية استئصال للرحم".

تتابع: "أجريت العملية وفقدت كل شيء بسبب حرماني من العلاج في بداية ظهور الأعراض، فقط لأنني امرأة".

هذا النوع من العنف ضد النساء، لا يقتصر فقط على المناطق الريفية، إنما أيضًا تحظى الظاهرة برسوخ في الحواضر رغم حظ المجتمع من التعليم. من بين الناجيات اللاتي أتيح لمعدة التقرير الاطلاع على قصتها كانت السيدة (ر. ف) 32 عامًا، من مدينة عدن، وهي حاليًا متزوجة لكنها حرمتُ من الإنجاب بسبب مشاكل في جهازها التناسلي كانت تعاني منها قبل زواجها انتهت بها في نهاية المطاف إلى مضاعفات خطيرة، جراء امتناعها عن إجراء كشف طبي لوقت طويل ومداومتها عوضًا عن ذلك على المسكنات والأعشاب التي كانت والدتها تقنعها بتناولها.

التوجس من العلاج

من واقع تجربتها كأخصائية نساء وولادة، عملت لفترة مع إحدى المنظمات الإغاثية في قرى يافع بمحافظة أبين، توضح الدكتورة ليانة نصر: "موضوع عرض الفتيات غير المتزوجات إلى طبيبة النساء والولادة من المواضيع الشائكة، التي اتعبتني جدًا في مسيرتي المهنية، وخاصة حينما تعرض عليّ حالة نزيف وآلام شديدة، أو حدوث الطمث من ثلاث إلى أربع مرات في الشهر، وهي حالة خطرة؛ أقوم بصرف حبوب منع الحمل وهي بالأساس مصنوعة لتخفيف آلام الطمث وتنظيم الدورة الشهرية، لكن ذلك يجعل الأهالي يتخوفون ويمنعون فتياتهم من تلقي العلاج، خشية أن القدح في شرفها في حال اكتشف أحدهم تناولها لحبوب منع الحمل".

بحسب نصر، فإن النسبة الأكبر من الممانعين لحق الفتيات غير المتزوجات اللائي يعانين من أمراض المنطقة الحساسة والجهاز التناسلي في الذهاب للكشف الطبي، هم في معظمهم من سكان القرى، نظرًا للنقص الكبير في برامج التوعية حول الصحة الإنجابية وغياب الثقافة الصحية لديهم.

تؤكد أيضًا على "ضرورة أن يتحلى الطبيبب القدرة على إقناع الأهالي وإيصال فكرة أن العلاج - مهما كان - لن يكون عيبًا، وأنه حق، وأن الفتاة وإن تعرضت لمشاكل تناسلية تسببت في فقدان عذريتها، فإنه بالإمكان معالجتها وتوثيق حالتها بتقرير طبي معمَّد من المحكمة، لن يكون أسوء من أن تفقد حياتها بسبب لا ذنب لها فيه".

في ذات السياق، يُلفت الدكتور إبراهيم الصائدي، الذي يعمل في قسم النساء والولادة بإحدى مستشفيات صنعاء، إلى أن أبرز المشاكل التي تتعرض لها النساء لها أسباب صحية مختلفة، إذْ من الممكن أن تحدث أيضًا بسبب سوء النظافة الشخصية، ولكن أغلب المشاكل التي تؤدي إلى الوفاة أو عدم الانجاب، أو الالتهابات الشديدة والحادة، قد تكون عبارة عن مشاكل تراكمية تحدث نتيجة للتساهل في إجراء الكشف المبكر للفتاة.

ويعزو الصائدي عدم تقبل بعض فئات المجتمع فكرة عرض الفتاة العزباء على طبيبة نساء وولادة، إلى غياب الوعي الصحي لدى هذه الفئات في المجتمع، ومنوط بالدولة "توفير برامج صحية وتوعوية لمعالجة مثل هذه الامور على نطاق واسع، لكي يتم القضاء على المفاهيم الخاطئة التي مازالت تنظر للمرأة بأنها كيان قد يجلب العار بمجرد إن تمت معالجته"، حد قوله.

حق إنساني وقانوني

تنص كافة المعاهدات والمواثيق الدولية على حقوق المرأة وأن لها حقوق متساوية لتلك الحقوق التي يملكها الرجل ولكن ماذا إنصار حق المرأة بالحياة مهددًا بسبب تداخل العادات والتقاليد ومفاهيم العرف بالقانون؟

المحامية والناشطة الحقوقية سارة مذكور، تؤكد أن حق المرأة بالعلاج "هو حق أساسي مشتق من حقها بالحياة الكريمة التي أوجبها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإن ما يقوم به البعض من جعل أحقية المرأة المتزوجة أو غير المتزوجة المصابة بأمراض بالجهاز التناسلي خطيئة، يعد جُرمًا بحد ذاته، وينبغي أن يتم ردعه عبر معاقبة مرتكبيه، وإن كانوا أقرباء للناجية، وهذا ما نأمل ان يقوم المشرع بحله عبر نصوص قانونية موضحة في قانون الاحوال الشخصية في حالة استقر الوضع في البلد".

ومن جهته يرى طاهر الحزمي، أستاذ علم النفس بجامعة صنعاء أن "امتناع الأهل عن علاج الفتاة العزباء التي تعاني أمراضًا في المنطقة التناسلية، له أثر في نفسية الفتاة، مثل القلق والوسواس والخوف، والذي قد يجعلها تشك هي الأخرى بحدوث أمر قد يهددها، عدا عن الأثار العضوية التي قد تؤدي إلى عدم الإنجاب مثلًا.  مؤكدًا أن "العيب لم يكن أبدًا بسبب علاج العزباء بل العيب كل العيب بالثقافة العمياء، التي كرست الظلم وألبسته لباس الشرف".