رانيا الشرجبي

 

بينما تحاول الحرب سلب أنوثة المرأة وحريتها، هناك بعض منهن يتصدِّين لها بكل قوه وصمود.

 

أمُّ مصطفى (40 عامًا) نازحة من -قرية المنظر- جنوب غرب مدينة الحديدة، تروي لنا قصتها ومعاناتها بكلِّ تحديٍ لمواجهه قسوة ظروف الحياة قائلة: "عانيت الكثير في حياتي حيث ابتدأت أول معاناتي مع زوجي بضربه وتعنيفه لي باستمرار، ومع الحرب التي لم ترحم كبيراً ولا صغيراً وأخرها مع النزوح الذي سلب منا كرامتنا ومساكنا وممتلكاتنا، وجعلنا تائهين بلا مأوى نفتقر ابسط مقومات الحياة".

 

تواصل أم مصطفى حكايتها: "إلا أن الحرب على قريتي ومرارة النزوح كانت أبشع ما مررتُ به؛ فقد تحولت قريتي خلال أسبوع واحد إلى مدينة أشباح لا يسكنها سوى الركام والخراب، وتدمرت آمالنا وأحلامنا وتحولت إلى كوابيس".

في صبيحة عيد الفطر من العام 2018، وصلت الاشتباكات قرية المنظر، وبدأت الصواريخ تمطر على سكانها، لتخلف قتلى وجرحى، ومشردين نجوا بأنفسهم من نيران الاقتتال، وكانت وجهة أم مصطفى نحو مدينة الحديدة مجبرة، للفرار من نيران الموت. 

وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان فإن عدد النازحين في اليمن حتى نهاية أغسطس 2020 يقدر بأكثر من 4 ملايين نازح، ونحو 76% منهم من النساء والأطفال.  

 

النزوح إلى المدينة

 

تتابع أم مصطفي حديثها: مع نزوحي الي مدينة الحديدة بدأت فصول معاناة جديدة كادت الا تنتهي فقد كنت لا املك أنيسًا ولا معينًا في ذلك الوقت الذي هجرني به زوجي ولم اعد اعلم عن غيابه شيئا حتى اللحظة". 

وبصوت تخنقه العبرات تقول أم مصطفى: "لقد تحملت تلك المسؤولية على عاتقي في تأمين مسكن ولقمة عيش لي ولأطفالي فقد عاودت فتح مشروعي الصغير في بيع الملابس وأدوات التجميل لجاراتي متحدية جميع تلك الصعاب والمتاعب".

 

متاعب كثيرة واجهت أم مصطفى، في بيئتها الجديدة؛ الحارة والجيران الجدد الذين تود البيع لهم، وتعبر عن ذلك بقولها: "كنت لا أعرف أحدًا، وأخشى عرض بضاعتي على الجميع خوفاً من نظراتهم تجاهي".

وتستطرد في حديثها: "كان دخلي بسيط جدًا لا يكفي لإيجار المنزل، أو لمصاريف دراسة أبنائي، وابنتي التي بدأت تمر بمرحلة المراهقة (15عامًا) تصمت لبرهة ثم تواصل: لم أستطع توفير احتياجاتها، مما جعلني أوافق على تزويجها وهي لا تزال قاصرة".

كما أنها لم تتمكن من توفير علاجات لولدها مصطفى الذي تعرض لشظية في رأسه أثناء تواجدهم في القرية و محاولة هروبهم للنجاة بأنفسهم، وتضيف: "عدم توفير العلاج له فاقم من إصابته، وجعله معاقاً حتى اللحظة، ولم أتمكن من الوصول إلى أي دعم ومعونة لذلك من المنظمات الإنسانية".

 

وتختتم أم مصطفى حديثها:"حاليًا أسعى جاهدة من خلال بيعي لبضاعتي والتنقل بها من بيت إلى آخر، ومن حارة إلى أخرى من أجل تأمين ابسط مقومات الحياة لي ولا أطفالي (مصطفى _توفيق) اللذان لم يبقي لي من هذه الدنيا سواهما؛ خصوصا مع انعدام الأمل بالعودة إلى قريتنا بعد قطع الطريق والحصار القائم عليها".

 

وتقول غدير طيره ناشطة مجتمعية انه تشتد الضغوطات أكثر على النساء والفتيات عندما يكونن هن المسؤولات عن إعالة أسرهن، وتضيف: "قد يحرمن في الغالب من التعليم واللجوء الى العمل أو التسول لتوفير قوت يومهن، والبعض منهن يصبحن معرضات للزواج المبكر، وبالذات في محيط النازحين ويتم تزويجهم بمهور بسيطة جداً لتخفيف عبئ المصاريف على الأسرة"، مشيرة إلى أن تفاقم هذه الظاهرة في السنوات الثلاث الأخيرة.

 

وترجوا طيره إيقاف الحرب وإحلال السلام، والعمل على إعادة بناء وتأهيل وتمكين النساء والحفاظ على كيانهم ومكانتهم في المجتمع.

 

من ناحيتها تقول الأخصائية الاجتماعية رنا المفلحي بأن فقدان رب الأسرة في الحرب بسبب الموت أو النزوح يزيد من تردى الوضع المعيشي للأسرة، وتضطر المرأة للعمل، وتضيف: تعمل النساء في مجتمعات النازحين وأراضيهم، بأجر يومي زهيد، كهدف بتوفير اليسير من القوت الذي يسد جوع أبنائهن وأسرهن". 

وتؤكد المفلحي على ضرورة تنفيذ المنظمات الإنسانية برامج تدريبية وتأهيلية للنساء النازحات تكسبهن مهارات وحرف تساعدهن على إعالة أنفسهن وأسرهن، والتخفيف من معاناتهن، حد قولها.