رفـيـق الـعـربـي

 

لفتت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في تغريدة نشرتها على تويتر في 11 تشرين الأول/أكتوبر إلى أن 26% من النازحين في المواقع المضيفة باليمن، والذين يبلغ عددهم الإجمالي مليون شخص، هم من الفتيات، وقالت إنهنّ يساعدنّ عائلاتهنّ في الطهي وجلب الماء ورعاية أشقائهنّ في غياب الأهل.

 

أكثر من مرة

لا تستطيع روان أحمد (اسم مستعار)، 23 عامًا، نازحة من محافظة إب إلى مأرب، أن تنسى معاناتها وكفاحها من أجل الحصول على التعليم، حيث جاهدت كثيرًا لإقناع والديها بضرورة التحاقها بالجامعة، بعد أن عانت مسبقًا في سبيل إكمال مرحلتها الثانوية بسبب النزوح أكثر من مرة، تقول لـ "هودج": "توقفنا عن الدراسة لسنة كاملة يوم ما نزحنا، كنا ننتظر أن يسحب أعمامي في إب ملفاتنا من المدرسة التي كنا ندرس فيها، وبعد وصول الملفات درسنا سنتين، ثم نزحنا من مخيم الميل إلى مخيم السويداء بسبب الاشتباكات والقذائف اللي كانت توصل للمخيم، ودرسنا في مخيم السويداء سنة، وبعدما لقينا بيتًا في المدينة نزحنا إليها، وكنا بنوقف الدراسة بسبب الظروف المعيشية".

 

مخاوف

وعن مخاوفها بشأن إيقاف تعليمها، تقول روان: "كان أبي يشتي نزيد نوقف الدراسة سنة أو سنتين حتى تتحسن ظروفنا المادية، لأنه ما قدر يوفر لنا المصاريف حق الدراسة، يلا يوفر مصاريف البيت، وعانيت وأنا أحاول مع أبي عشان أدرس جامعة، وهو يقول: ما فيش يا بنتي فلوس، إحنا نازحين، ويلا أقدر أوفر مصاريف البيت ولو مرضتم أعالجكم، وعاده لو تعطل الباص اللي هو مصدر الدخل الوحيد أصلحه وأخسر فلوس كثيرة، فما أقدر يا بنتي أدرسك جامعة الآن، يلا ندرس إخوتك بالمدارس".

"كانت الطرق محاطة بالألغام، وأي ميلان لليمين أو الشمال قد يودي بحياتك، وبدل ما كنا نروح الجامعة ونرجع بباصها يوميًا، رجعنا نسافر أكثر من سبع ساعات عبر طريق الصحراء"

روان نموذج حي لمدى تأثير الحرب على تعليم الفتيات في اليمن، تقول: "عندما كان والدي يقول لي إن الوضع ما يسمحش، والباص صغير ما يقدرش يغطي مصاريف البيت والدراسة، قلت له مرة: خليني أشتغل بنفسي وأوفر مصاريف الدراسة حقي، أشتغل في أي عمل مناسب، ببيع حتى مناديل أو ماء ولا أفلت الدراسة حقي، بس غضب وقال: أنا شعمل المستحيل لأجل تدرسينّ الجامعة".

 

تمنيات

وبتنهيدة مؤلمة مصحوبة بنبرة حزن تختم روان: "ليت الحرب هذه تنتهي عشان أحقق حلمي اللي هو التدريس، وأرجع أنفع أبي وأسرتي. طبعًا أبي يرفض الشغل في الشارع، وقلبه ما يتحمل يشوفنا تحت الشمس نبيع مناديل أو ماء عشان نحصل مصاريف، أما لو درست واشتغلت بشهادتي عادي ما شمنعنيش"، وهو ما يؤكد على أن النزوح وقلة الموارد المالية التي تسببت بها الحرب تؤثر في قرارات كثير من الآباء بخصوص تعليم بناتهم، وأن مواقفهم ليست بالسوء الذي يعتقده البعض.

طرقات خطرة

تعيش ولاء دينيش، طالبة إعلام في جامعة إقليم سبأ بمأرب، أيامًا صعبة أثرت بشكل كبير على تعليمها الجامعي، فالحصار الذي تسببت به الحرب لمدينة حريب، حيث تسكن ولاء، على بعد نحو 80 كيلومتر من مدينة مأرب، تسبب في تغيبها عن المحاضرات الجامعية، تقول لـ "هودج": "لم أستطع حضور محاضرات الترم الثاني للمستوى الثالث بعد أن دخل الحوثيون حريب، ولم أستطع السفر بسبب توتر الأوضاع وإغلاق الطريق الرئيسية، وبعد فترة وجيزة فُتح طريق فرعية عبر رمال الصحراء، ولأن موعد الامتحانات في الجامعة بدأ، اضطررت للسفر من الساعة الواحدة ظهرًا وحتى التاسعة مساءً بعد أن كنا نحتاج لساعتين فقط".

"أصبحت الفتاة تعاني التسرب والانقطاع من التعليم إلى جانب معاناة النزوح والحرب، فانقطعت الفتاة عن التعليم وبشكل مخيف، وهذا له تأثير سلبي عليها وعلى أسرتها والمجتمع"

 وتضيف: "كانت الطرق محاطة بالألغام، وأي ميلان لليمين أو الشمال قد يودي بحياتك، واجهنا معاناة كبيرة وخوفًا شديدًا، وبدل ما كنا نروح الجامعة ونرجع بباصها يوميًا، رجعنا نسافر أكثر من سبع ساعات عبر طريق الصحراء، وبكلفة تصل إلى عشرين ألف ريال".

تتابع ولاء: "لو كان بالإمكان أن نحصل على شقة للسكن بإيجار مناسب في مدينة مأرب كنا تجنبنا كثيرًا من المخاوف والمعاناة، لكنّ أسعار الشقق في المدينة وحولها غالية، فاضطررت للسكن بشكل مؤقت في بيت أحد أقاربنا حتى أنهيت الاختبارات النهائية التي وجدت فيها صعوبة بفعل عدم تمكني من حضور المحاضرات، ولذلك لم أتمكن من إنهاء الاختبارات كاملة، فقد تبقت عليّ مواد سأختبرها في الدور التكميلي".

 

تحديات

أماني (اسم مستعار) طالبة نازحة من إحدى مديريات مأرب تشهد مواجهات مسلحة، تقول في حديثها لـ "هودج": "الحرب أثرت بشكل كبير علينا كطالبات نازحات، فالكثير من الفتيات أصبحنّ يعانينّ من انقطاع الخدمات وانعدام السبل اللازمة لمواصلة تعليمهنّ، خصوصًا المادية، بعض الفتيات توقفنّ عن مواصلة تعليمهنّ نتيجة إغلاق المدارس أو دمارها بسبب الحرب، وبعضهنّ بسبب نزوحهنّ إلى مناطق بعيدة عن المدارس، وأخريات يعانينّ من هيمنة الإدارة، فإن تغيبنّ يومًا لأسباب قهرية لا يجدنّ من يتفهمهنّ، بل يواجهنّ الضغط والتهديد والفصل".

 

توجيه

وتحدثت مسؤولة قسم المرأة في الوحدة التنفيذية للنازحين بمأرب، فاطمة شقلة، عن الإخفاقات التي تواجه استمرار تعليم الفتاة النازحة، وعن الحلول الممكنة لمساعدتهنّ على مواصلة تعلميهنّ، تقول: "أصبحت الفتاة تعاني التسرب والانقطاع من التعليم إلى جانب معاناة النزوح والحرب، فانقطعت الفتاة عن التعليم وبشكل مخيف، وهذا له تأثير سلبي عليها وعلى أسرتها والمجتمع".

"بعض المعاهد مزودة بسكن خاص بالبنات، لكن بعضها مغلقة، ولو تم فتح تلك الملحقات للطالبات النازحات أو اللواتي يأتينّ من مسافات بعيدة وعبر طرق خطرة لساهم ذلك في حل جزء من المشكلة"

وتضيف: "الواجب توجيه المنظمات الدولية والمحلية لعمل فصول ومدارس تغطي الاحتياج الكبير، فالإمكانيات التي تقدمها لا تفي بالغرض حتى الآن، وتوفير المواصلات للذهاب إلى المدارس إذا كانت بعيدة".

 

حلول مؤقتة

في الإطار نفسه، يقول مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة، فهمي الزبيري، في حديثه لـ "هودج"، إنه تم بناء فصول دراسية في مخيمات النزوح بمأرب بالتنسيق مع عدد من المنظمات، إلا أن آلاف الفتيات ما يزلنّ خارج المدارس بسبب التصعيد العسكري الحوثي، ومنع وتقييد وصول المعونات التي تؤدي بدورها إلى تعثر وتسرب الفتيات من التعليم.

ويوضح الزبيري أن هناك جهود تبذلها السلطة المحلية ومكتب التربية بمحافظة مأرب لتوفير فرص تعليمية للفتيات النازحات، على الرغم من التحديات والصعوبات التي تقف أمامها، حيث كانت المدارس والمنشآت التعليمية بالمحافظة ومديرياتها تستوعب أعدادًا محدودة، كما أن الحرب قد ضاعفت الأعباء والتبعات بوصول عدد النازحين في محافظة مأرب إلى ما يزيد عن ثلاثة مليون نازح.

ملحقات سكنية

تقول أميمة - ناشطة: "بعض المعاهد مزودة بسكن خاص بالبنات، لكن بعضها مغلقة، ولو تم فتح تلك الملحقات للطالبات النازحات أو اللواتي يأتينّ من مسافات بعيدة وعبر طرق خطرة لساهم ذلك في حل جزء من المشكلة".

وتضيف: "نأمل من السلطة المحلية ممثلة بمحافظ المحافظة سلطان العرادة والجهات المعنية إيجاد حل للملحقات المغلقة؛ وذلك لمساعدة الطالبات اللاتي يواجهنّ النزوح والتهجير القسري في مواصلة تعليمهنّ".