رانياعبدالله

 

رسمت بأناملها لوحة (الحياة) قبل أن تغادرها بسبب إصابتها بمرض السرطان، عانت لسنوات،لكنها تركت خلفها لوحة فنية مليئة بالأمل وحب الحياة.

إيمان أحمد ـ (25) عامًا ـ كانت واحدة من بين آلاف الحالات المصابة بالسرطان في مدينة تعز، جنوب غرب اليمن، الأكثر بعدد السكان.

الخوف من تكرار التجربة

"تركت إيمان بداخلي ذكريات لن أنساها ما حييت، كانت رفيقتي وكنت رفيقها، حاولت أن أقاوم لأجلها حتى تستطيع مقاومة مرض السرطان، لكن حالتها الصحية تدهورت بعد أن انتشرالسرطان في جسدها، وهبطت مناعاتها بشكل كبير"، بعينين غارقتين بالدموع يتحدث هيثم، زوج إيمان.

"تفاجأنا عندما جاءت إيمان بلوحتها، وهي عبارة عن امرأة مصابة بالسرطان فقدت شعرها وتعزف الموسيقى "

كانت إيمان مصابة بالسرطان في ساقها قبل عشر سنوات من زواجها، وتماثلت للشفاء، لكن مفصل قدمها تأثر بسبب السرطان، وبعد زواجها في العام 2020م، ظهرت عليها أعراض سرطان الثدي، بنبرة حزن يقول هيثم: "كانت إيمان تشعر بأن السرطان عاد إليها، لذلك كانت تتخوف من الفحص والعلاج على الرغم من محاولاتي المستمرة معها، وبعد إلحاحي ذهبنا للطبيب،واتضح بالفحص أنها تعاني من سرطان الثدي".

"بعد اكتشاف ورم السرطان، توقفت عن الدراسة في كلية الفنون الجميلة لاستكمال العلاج وجلسات الإشعاع المقررة، وبعد الجرعات قرر لها الطبيب عمل عملية، لكنها رفضت خوفًا من تكرار تجربة والدتها وأختها الكبرى بالسرطان، فقد توفين بالسرطان هن أيضًا قبل سنوات طويلة".

رسالتها الأخيرة

قبل اكتشاف إصابتها بسرطان الثدي، شخصت إيمان حالتها عبر لوحة فنية كانت هي رسالتهاالأخيرة، وكانت التشخيص النفسي لما تكنه في نفسها وتخافه، وعلى الرغم من آلمها إلاأنها لوحة مليئة بالحياة.  

تقول منار الشميري (23) عامًا ـ صديقة إيمان المقربة في الجامعة: "كانت إيمان قدوة لنا بالتفاؤل والعزيمة، ودائمًا كانت متفوقة على الدفعة، وقبل أن تعلم إيمان أنها مصابة بالسرطان، كان لديها إحساس قوي بأن السرطان عاد مجددًا".

وتضيف الشميري: "أتذكر جيدًا حينما طلب منا الدكتور في الجامعة نشاط، عبارة عن رسم لوحة تعبر عن مشاعرنا، وجميعنا أحضرنا لوحاتنا، لكننا تفاجأناعندما جاءت إيمان بلوحتها، وهي عبارة عن امرأة مصابة بالسرطان فقدت شعرها وتعزف الموسيقى،كان خبر وفاتها كالصاعقة، وتأكدت حينها أن لوحتها كانت رسالتها الأخيرة".

تساقط شعرها

بحزنٍ بالغ يستطرد هيثم حديثه: "بعد عدة جرعات بدأ شعر إيمان يتساقط، فزادت نفسيتها سوءًا، لكني حاولت تخفيف معاناتها، ولم يتغير جمالها في نظري، عملت كل ما بوسعي حتى لا أتركها ضحية للعامل النفسي إلى أن وافها الأجل، وقبل وفاتها أوصتني بأن تذهب لوحتها الفنية التي رسمتها لمزاد لصالح مرضى السرطان".

منجهتها، قالت المسؤولة الإعلامية بالمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بمدينة تعز، منال الهلالي: "تم إحضار لوحة إيمان التي تعتبر رسالة قوية لجمال الحياة، على الرغم من ألم زوجها بعد وفاتها، وقد تفاعل ووقف أمام الجميع في مهرجان أقامته المؤسسة، وتبرع بلوحة زوجته لصالح المؤسسة، على أن تباع في المزاد، وما يأتي من ريعه يوصل كعلاج للمرضى المصابين بالسرطان".  

(10217) حالة مصابة

وبحسب المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، هناك تزايد كبير بعدد المصابين بالسرطان، فقد بلغ عددهم حتى منتصف العام 2022م، 10217 حالة على مستوى محافظة تعز، 55%إناث، و45 % من الذكور، وجاءت فئة البالغين على رأس قائمة المصابين، بمقدار 49%،يليهم كبار السن بنسبة 41%، فيما إصابة الأطفال تمثل 10%.

وشكل سرطان الثدي النصيب الأكبر من إجمالي المصابين بنسبة 15%، فيما 13%منهم مصابون بسرطان الدم، و11% بالغدد الليمفاوية، فيما توزعت بقية الإصابات على العظام، المبايض، الرحم، البروستاتا، المثانة، الدماغ، والغدة الدرقية.

وبحسب تصنيفات الصحة العالمية فقد بلغ وفيات سرطان الثدي في اليمن 1134 حالة وفاة بنسبة 0.73%  حيث بلغ معدل الوفيات 14.77 لكل 100 الف من السكان ، و جاءت اليمن في الترتيب 121 عالميًا في وفيات سرطان الثدي  .

عوامل الإصابة

ويلخص أخصائي الأورام في مركز الأمل لعلاج الأورام،الدكتور أمين مزاحم، أسباب الإصابة بسرطان الثدي بعدة عوامل داخلية، منها وراثية مثل تغيرات هرمونية، كظهور مبكر للدورة الشهرية، أو بقاء الدورة بعد السن المتوقع لسن اليأس، تأخر الحمل الأول، قلة وانعدام الرضاعة الطبيعية، السمنة المفرطة، وعوامل خارجية مثل أخذ هرمونات خارجية كموانع الحمل، التعرض المتكرر للإشعاع، والالتهابات المتكررة.

الكشف المبكر

وأوضح الدكتور مزاحم أن الكشف المبكر لورم السرطان يجعل نسبة الشفاء التام عالية، وغالبًا العلاج بهذه المرحلة فعالًا، سواء جراحيًا، وهو الأغلب في "الأورام الصلبة"، أو الإشعاع والعلاج الكيماوي في "أورام الدم".

وفي المرحلة المتوسطة يتجاوز تأثير الورم نشأته ليؤثر على محيط العضو الذي ظهر فيه، لكن لا يوجد بؤر انتشار بعيدة، وتعتبر متقدمة عن المرحلة المبكرة، وفيها زاد نشاط الورم السرطاني، وتجاوز تأثيره مكان ظهورالورم، وأصبح مهدد بالانتشار إلى أماكن أخرى بالجسم، وعلاجه حسب النوع وحالة المريض، إما جراحة أو البدء بالعلاج الكيماوي لتقليص الورم، ثم الجراحة واستكمال الكيماوي بعد الجراحة، ثم الإشعاع غالبًا.  

وفي حالة علاج ورم الثدي، لا بد من معرفة توع المستقبلات الهرمونية ليكون العلاج بما يناسب الحالة، إن كان ذكر بالخط العلاجي الهرموني، ويستمر لسنوات لمنع عودة الورم بشكل سريع، إضافة إلى العلاج الموجه، وهو خط علاجي متقدم يعتمد غالبًا على المستقبلات على جدار الخلية السرطانية، هذاالعلاج أكثر دقة وتخصصًا في تدمير الخلايا السرطانية، أما في مرحلة انتشار السرطان، بمعنى أن تخرج الخلايا السرطانية من مكان نشأتها لتهاجر عبر الوسط الملاصق أو الدم أو الجهازي الليمفاوي، ليكون تأثيرها بعد في أي منطقة أو جهاز تستقر فيه من الجسم دون استثناء.

العلاج الكيماوي

وبحسب مزاحم، فغالبًا في حالة الإصابة بمرض الثدي يكون الانتشار إلى الرئة، العظم، الكبد، أو الدماغ، وفي هذه الحالة يصعب عودة المريض إلى مرحلته المبكرة، وإنما يتم أخذ العلاج الكيماوي أو الهرموني أو الموجه المناسب للورم، ليتمكن المريض من العيش بأقل أضرار للورم الخبيث الذي يتم تحجيمه وإيقاف انتشاره بالعلاج، وبالعلاج الإشعاعي في حالة الانتشار للعظم وعدم الاستجابة للمسكنات.

وأكد مزاحم أن نسبة المترددين لحالات الإصابة بسرطان الثدي لمركز الأمل لعلاج الأورام بمراحل مبكرة مشجعة جدًا، ولذلك لدور الكشف المبكر وحملات التوعية.

عبء سرطان الثدي

ويعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطانات شيوعًا بالعالم في العام 2020م، حيث تقدر الوكالة الدولية لبحوث السرطان أن هناك أكثر من 2.26 مليون حالة جديدة من سرطان الثدي، وتسبب بوفاة نحو 685 ألف في أنحاء العالم.

وتشير  تقديرات الوكالة أنه بحلول العام 2040م سيرتفع عبء سرطان الثدي إلى أكثر من 3 ملايين حالة جديدة سنويًا بزيادة قدرها 40%، وأكثر من مليون وفاة سنويًا بزيادة 50%.