رانياعبدالله

لم تتمكن رشا عادل ــ ٣٠ عامًا ــ من زيارة الطبيب أثناء فترة حملها في العام 2020م مع بداية جائحة كورونا، وذلك بسبب الإغلاق الذي فُرض لاحتواء الجائحة، إضافة لبعد المستشفى عن مخيمها بمنطقة البركاني بمدينة تعز، جنوب غرب اليمن، حيث يبعد المستشفى مسافة 35 كيلو مترًا، وتحتاج لأربع ساعات للوصول إليه، وتبلغ تكلفة المواصلات 16 ألف ريال يمني ذهابًا وايابًا مع مرافقها.

نزحت رشا إلى هذا المخيم مع عائلتها بداية العام 2015م، وبسبب عدم قدرتها على الحصول على المراجعة الطبية، عانت من مضاعفات صحية انتهت بالإجهاض.

من أمام خيمتها تحدثت إلينا والغصة تكاد تخنقها قائلة: "لم أستطع الوصول إلى المستشفى لمتابعة حالتي كأي امرأة حامل، استمر النزيف، وفقدتُ طفلي في شهوري الأولى من الحمل".

"القطاع الصحي لا يتدخل بأمراض النساء، وخلال الجائحة لم نستطع أن نوصل النساء إلى المستشفيات، فتسبب ذلك بإصابتهنّ بأمراض"

أجهضت رشا مرتين بعد هذه المرة، نتيجة للإهمال الطبي وعدم المتابعة، ولم يعد بإمكانها أنتحمل مرة أخرى، عن هذا تروي: "أجهضتُ ثلاث مرات، وبسبب الإجهاض المتكرر أصبح لدي مشاكل في الرحم، وحدث هذا لعدم تمكني من الحصول على وسائل منع الحمل بسبب بعد المسافة التي تفصلنا عن المستشفيات والمستوصفات، فمن المستحيل لنا نحن النساء متابعة حالتنا، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية لا تسمح لنا بذلك".

لم تكن الحجة منه سعيد ـ 60عامًا ـ أحسن حالًا من رشا، حيث عانت من آلام شديدة في الرحم أثناء جائحة كورونا، ولم تتمكن من متابعة حالتها، إلى أن وصلت لوضع صعب مؤخرًا اضطرها إلى استئصال الرحم، تحكي منه قائلة: "قبل 3 سنوات كنت أعاني من أوجاع والتهابات شديدة، كنت أشعر بها لكني صبرت على الألم، ولم يكن لدي خيار، لأني لم أستطع الوصول للمستشفى بسبب بعد موقعه عن المخيم".

ويصف عبده علي عبدالله، وهو مندوب مخيم "الميسار"، وضع والدته منه الصحي أثناء وبعد جائحة كورونا قائلاً: "والدتي عانت من أمراض الرحم أثناء جائحة كورونا، ولم نستطيع أن نوصلها للمستشفى بسبب المسافة الطويلة التي تفصل المخيم عن المستشفى، وبسبب الإغلاق أثناء جائحة كورونا، ظلت والدتي تتألم طوال الفترة الماضية، وبعد انتهاء جائحة كورونا حاولت أن أذهب بها للطبيب لكنني للأسف لم أتمكن من ذلك، بسبب عدم توفر المبلغ المالي اللازم، وبعد أن أصبح ألمها غير محمول، قمت قبل شهرين بتوفير جزء من المبلغ وذهبت بها إلى الطبيب، ليخبرنا أنها بحاجة لعملية استئصال الرحم قبل أن يتحول إلى ورم خبيث، واضطررت لاستلاف مبلغ مالي لتوفير تكاليف العملية والتنقل والسكن في فندق قريب من المستشفى".

"69% من إجمالي 502 مخيم في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية لا تتوفر فيها الخدمات الصحية، و82% من المخيمات لا تتوفر فيها عيادات متنقلة"

وعن وضع النساء في المخيم تحدث عبده سعيد قائلًا: "بالنسبة للنساء فقد ازدادت مشاكلهنّ الصحية بسبب جائحة كورونا بشكل كبير، فالقطاع الصحي لا يتدخل بأمراض النساء، والتدخلات محددة مثل سوء التغذية أو أمراض الطفولة، وخلال الجائحة لم نستطع أن نوصل النساء إلى المستشفيات، فتسبب ذلك بإصابتهنّ بأمراض مثل: تضخم الرحم، التهابات شديدة، ونزيف مستمر".

ومنة ورشا اثنتين من 155 امرأة في هذا المخيم، يعاني أغلبهنّ من ذات الصعوبات في الوصول إلى المرافق الطبية، ومن آثار الإغلاق والجائحة على حياتهنّ حتى الآن.

لارعاية للحوامل

وبحسب "الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين"، فان غالبية مخيمات المحافظةلا تقدم الخدمات الصحية اللازمة وتحديدًا للنساء، إذا تشير الوحدة إلى أن 69% من إجمالي 502 مخيم في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية لا تتوفر فيها الخدمات الصحية، و82% من المخيمات لا تتوفر فيها عيادات متنقلة.

وبلغ عدد النساء الحوامل في المخيمات قرابة ثمان آلاف امرأة حتى عام 2021م، بينما وصل عدد النساء المرضعات إلى 54 ألفًا تقريبًا، ولا تحصل 82% من النساء الحوامل والمرضعات على الرعاية الصحية.

وبلغ إجمالي النازحين على مستوى مدينة تعز 300 ألف نازح/ة، 52% منهم من النساء، وفي مديرية المعافر جنوب مدينة تعز ما يقارب 7 ألف أسرة نازحة، منهم ما يقارب 3 آلاف أسرة متوزعة في المخيمات، وتشكل النساء النسبة الأكبر من هذا العدد.

يقول بسام الحداد، مدير الوحدة التنفيذية بمديرية المعافر بمدينة تعز، إن "الوضع الإنساني والصحي للنازحات في المخيمات مأساوي ومزري، كون التدخلات الإنسانية شحيحة، وليست منتظمة، ولا يوجد تنسيق كافي بين شركاء العمل الإنساني لتقديم الخدمات الإنسانية اللازمة".

مضيفًا: "نحن بحاجة إلى دعم القطاع الصحي،خصوصًا الوحدات الصحية القريبة للمخيمات والعربات المتنقلة، وبحاجة في المخيم إلىتقديم الأدوية والرعاية الصحية الأولية والعمليات الجراحية، كالعمليات القيصرية والزائدة وغيرها".

قيود الدعم الصحي

من جهتها، أوضحت الدكتورة إيلان عبدالحق، وكيلة محافظة تعز لقطاع الصحة، بأن الحرب دمّرت 50٪ من البنية التحتية، مما أدى إلى توقف تقديم الرعاية الصحية "خاصة في أمراض الأمومة، ناهيك عن النزوح، فمناطق المخيمات بعيدة عن مراكز الرعاية الصحية ومراكز الطوارئ التوليدية الهامة،وما جاء به كورونا زاد الأعباء أكثر وخاصة على المرأة، وحصلت وفيات للنساء أثناء الولادة بسبب عدم توفر الرعاية الكاملة ومراكز الطوارئ التوليدية"، بحسب قولها.

وعن سبب عدم تأمين احتياجات النازحات الطبية، تشرح الدكتورة إيلان: "لدينا خطط سنوية نقدمها للحكومة، ويتم تقديمها لداعمين سواءً عن النازحين أو مراكز الطوارئ التوليدية أو الأمراض المزمنة، لكن الدعم شحيح، فالمرافق الصحية تعاني من شح في الموازنات التشغيلية، وما يتوفر من الميزانية التشغيلية حاليًا هي موازنات من العام 2014م، ولا تغطي أبسط الاحتياجات بسبب فارق العملة".

"كان التركيز في برنامج الصحة الإنجابية المدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان على توفير قابلات مجتمعيات، ولكنهناك العديد من الحالات التي تحتاج إلى مراكز طوارئ توليدية، وتدخلات جراحية"

وتشير الدكتورة إيلان إلى أن تركيز القطاع الصحي أثناء جائحة كورونا كان على مرضى كورونا بشكل رئيسي، "وبذلك ازداد سوء الأمراض النسائية، وحصلت الكثير من الوفيات عند الأمهات وأطفالهنّ"، كما تقول.

قيود اجتماعية

بالإضافة للوضع الصحي المتدهور جراء الحرب وآثار جائحة كورونا والمعاناة الاقتصادية، تواجه اليمنيات القيود المجتمعية المفروضة عليّهنّ بحسب الأعراف والتقاليد، كما حدث مع سلوى فيصل علي، 23 عامًا.

لم تتمكن سلوى من الوصول إلى المستشفى لمتابعة حملها ووضعها الصحي، على الرغم من حاجتها الماسة لذلك بسبب حاجتها لمرافقة "مُحرم" رجل لها، حيث تبعد المستشفى في المدينة عن المخيم الذي تقطنه مسافة 4 ساعات، ولا يمكن أن تقطع هذه المسافة الا مع (محرم)، وتبلغ تكلفة المواصلات اللازمة للوصول إلى المستشفى 16 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 15 دولار، ووضع سلوى المادي كما أغلب النازحات في المخيم لا يسمح لها بدفع هذا المبلغ.

تروي سلوى: "قبل سنتين ونصف حملت بطفلتي وكنت أشعر بآلام وأوجاع، لكني لم أتمكن من الوصول إلى المستشفى لمتابعة حالتي أثناء الحمل، لا بسبب بعده فحسب، وإنما أيضًا لحاجتي لمرافقة زوجي لي، وهذا يضاعف التكاليف علينا، ونحن لا نملك المبلغ الكافي للمواصلات والمصاريف، لهذا اضطررت للبقاء في خيمتي منتظرة قدري".

بنبرة حزن تضيف: "عندما حان موعد ولادتي في المخيم، للأسف تعسرت، وكدت أن أفقد حياتي، تم إسعافي إلى المستشفى في حالة طارئة، وعلى الفور تم إجراء عملية قيصرية ليل إنقاذي من الموت، لكن ابنتي توفت، وأخبرني الأطباء بأنه لا يمكن أن أولد في المرات القادمة ولادة طبيعية".  

بعد إجراء العملية القيصرية، لم تمكث سلوى في المستشفى للفترة اللازمة، بسبب الجائحة والإجراءات المتبعة من المستشفيات، فعادت إلى المخيم ووضعها الصحي سيئ، مما ضاعف من معاناتها الصحية.

تؤكد الدكتورة إيلان عبد الحق وجود معوقات اجتماعية تمنع وصول المرأة إلى مراكزالرعاية الصحية ومراكز الأمومة، "فأهلها يفرضون عليها أن تبقى في البيت بحسب العادات والتقاليد، وألا تذهب للمستشفى، مما يؤدي لتعرضها لمضاعفات"، بحسب قولها، ولذلك كان التركيز في برنامج الصحة الإنجابية المدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان على توفير قابلات مجتمعيات قادرات على التعامل مع هذه الحالات في البيوت، ولكن هناك العديد من الحالات التي تحتاج إلىمراكز طوارئ توليدية، وأيضًا تحتاج إلى تدخلات جراحية واختصاصين/ات.

وتضيف الدكتورة إيلان: "عدم قدرة المرأة على الوصول لهذه المراكز عند حاجتها لها يمكن أن يودي بحياتها، والوفيات كثيرة، ولهذا قدمنا رؤية للقطاع الصحي بأن يتم تجهيز مركز للطوارئ التوليدية مع المختصين/ات، في كل مركزثلاث مديريات في المحافظة، إضافة للحاضنات للأطفال حديثي الولادة، حيث لا يوجد في المدينة سوى ثلاث حاضنات للمواليد".

شاهد القصة كاملة في الفيديو التالي:

تم إنتاج هذه المادة في إطارمشروع "أما بعد" بدعم من الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام