حاورتها: مروى العريقي

يعتلي المشهد السياسي اليمني صفة الذكورية، فقد تقلص الحضور النسوي في حيز الدولة اليمنية الجديدة، سواء في آخر حكومة تم تشكيلها، أو في مجلس قيادتها الرئاسي، فلا اعتراف للدولة الحديثة بقضايا النساء أو بكفاءتهنّ، على الرغم من استطاعتهنّ النجاح في مختلف مجالات الحياة، وبدلًا من أن يجدنّ التشجيع، يحصدنّ التحريض من جهات وأفراد، والتهميش من الدولة، حول كل هذه القضايا تتحدث إلينا الدكتورة ألفت الدبعي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز، وعضوة في لجنة التشاور والتصالح المساندة لمجلس القيادة الرئاسي، وعضوة لجنة صياغة الدستور .

 

الدور الرسمي

هُمشت المرأة اليمنية سياسيًا، وغابت عن التمثيل السياسي مؤخرًا، الأمر الذي انعكس سلبًا على قضايا النساء، كما تقول الدكتورة ألفت، وعن الدور الرسمي تضيف بأنه: "منذ بداية الحرب، لم يكن استراتيجي في تبنيه لقضايا النساء، ومع الحرب حدث تراجع كبير لصالح الجماعات المسلحة، ولعل أكثر ما يجسد ذلك إنشاء حكومة بلا نساء، وهو الحدث الذي مثّل تراجعًا سياسيًا كبيرًا عن استحقاقاتهنّ والالتزام بمرجعية مخرجات الحوار الوطني في أهمية شراكة النساء، وهو ما يمثل تراجعًا أكبر للقضايا المدنية التي تشكل عوامل الاستقرار".

"نجاح الحملة مثّل انتصارًا لسلطة القانون أمام العادات والتقاليد التي تنتقص من قيمة المواطنة والمساواة في حق الحصول على الأوراق الثبوتية لأي مواطن يمني"

وتشير الدكتورة الدبعي، في حديثها لـ "هودج"، إلى وجود نافذة تفاؤل، قائلة: "نستطيع التفاؤل الآن في ظل التوجه الجديد للقيادة السياسية الجديدة عبر التشكيلة الأخيرة لمجلس الرئاسة، والتي ضمنت تواجد نساء في لجنة التشاور والتصالح واللجنة الاقتصادية واللجنة القانونية، وإن كانت تلك النسبة لا ترتقي إلى النسبة المعتمدة في مؤتمر الحوار الوطني، إلا أن هناك تصريحات لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، في كلمته أثناء أدائه لليمين الدستوري، تتضمن تأكيده على أن المجلس سوف يعمل على تمكين الشباب والنساء".

 

جوازي بلا وصاية

وفيما يخص تقييد حرية المرأة والحقوق الدستورية المكفولة لها، وبالذات في مجال السفر، وعن الحملة التي أطلقت رفضًا للتوجهات التي كانت تسعى إلى حرمان المرأة من الحصول على جواز سفر بمفردها، تقول الدبعي: "نجاح الحملة مثّل انتصارًا لسلطة القانون أمام العادات والتقاليد التي تنتقص من قيمة المواطنة والمساواة في حق الحصول على الأوراق الثبوتية لأي مواطن يمني".

وتضيف الدبعي: "في نصوصه، لا يميز القانون اليمني بين المواطنين في أحقية الحصول على جواز سفر، إلا أن مصلحة الجوازات التابعة لوزارة الداخلية اليمنية عملت على اعتماد أعراف وتقاليد خارج نطاق قانون الجوازات، وكانت هذه الإجراءات فيها مخالفة صريحة للنص القانوني العام، وهو ما كان يمثل عبئًا على كثير من النساء يجدنه أثناء ذهابهنّ لمعاملات إخراج الجواز، وفي الاشتراطات التي تقدمها مصلحة الجوازات للنساء".

"تواجد المرأة في أماكن صنع القرار ينبغي أن يكون حالة وتواجدًا طبيعيًا، لما له من انعكاس لمدى تجسيد اليمن لقيم الشراكة والمواطنة المدنية"

وتشير الدبعي إلى أن الحملة استطاعت رصد مجموعة من تلك الانتهاكات، وقامت بوضع خطة ركزت فيها على تحقيق أهداف استراتيجية، والتي من أهمها، إلى جانب إعادة تشكيل الوعي حول أهمية وأحقية المرأة كمواطنة في الحصول على جواز سفر، الوصول إلى توجيه من وزير الداخلية بإلغاء تلك التوجيهات التمييزية، مؤكدة على أن الحملة قد تمكنت من تحقيقه، وأن ذلك النجاح يعتبر خطوة أولية سوف تليها خطوات متعددة لانتزاع كافة حقوق المواطنة للنساء.

 

المرأة وصنع القرار

وحول تواجد المرأة اليمنية في مفاصل الدولة كافة، تقول الدبعي إن البعض يعتبر تواجد المرأة اليمنية في أماكن صنع القرار في كل مفاصل الدولة ترفًا، وإنه ليس من الضروري تواجدها في المرحلة الراهنة التي تمر بها البلد، إلا أن الدبعي لها رأي آخر، فترى، وهي التي تشغل كرسي أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز، بأن تواجد المرأة في أماكن صنع القرار ينبغي أن يكون حالة وتواجدًا طبيعيًا، لما له من انعكاس لمدى تجسيد اليمن لقيم الشراكة والمواطنة المدنية.

"التحريض على النساء خلفه الجهل المطبق بالدين"

وتضيف لـ "هودج": "توجد أهمية قصوى في هذه المرحلة بضرورة قيادة المرأة وشراكتها في عملية السلام، والتي غالبًا ما تكون رؤيتها تميل إلى إيجاد القواسم المشتركة بين فرقاء الحرب بدلًا من الذهاب إلى المعادلات الصفرية التي يجيدها المتصارعون".

 

تأهيل المرأة

تتهم المرأة اليمنية بعدم تأهلها لشغل مناصب رفيعة في المرحلة الراهنة، واستعدادها لتحمل تبعات شَغلها المناصب الرفيعة، وعن ذلك تقول الدبعي: "غالبًا يتم التعذر بأن المرأة غير مؤهلة، والحقيقة أن هناك الكثير من النساء المؤهلات، سواء من النساء الحزبيات، أو النساء المستقلات، والتعذر بأن النساء غير مؤهلات هي مبررات ذكورية لا أكثر، ثمّ هل كل الرجال الحاضرين في مشهد الدولة مؤهلين أصلًا!؟ فالواقع يقول إن الكثير منهم لا يستحقون المكان الذين هم فيه".

"حملة التضامن الواسعة التي تبناها الشباب والمثقفين والكُتاب تدل على أن وعي المجتمع اليمني أصبح أكثر حساسية لرفض كل ما يمثل تزييفًا للوعي باسم الدين والأخلاق"

وتؤكد الدبعي على أن مسألة تواجد النساء في أماكن صنع القرار، وخاصة النساء الحزبيات، سوف تجد دعمًا من أحزابهنّ السياسية فنيًا ولوجستيًا، ولن يكون هناك أي مشكلة في مسك أي مناصب قيادية، وتضيف: "وجود النساء في أماكن صنع القرار مهم جدًا، سواء من أجل القضية الوطنية بشكل عام، أو من أجل قضية النساء أنفسهنّ، ومعالجة كافة المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي تطالهنّ".

 

التحريض ضد النساء

وفي سياق آخر، تناقلت صحف يمنية مؤخرًا ما أسمته ممارسات مشبوهة لعمل المنظمات، في حملة تحريض تستهدف النساء، تقول الدكتورة الدبعي عنها: "إنها حملة رخيصة تدل على الجهل المطبق في ذهن من قاموا بها، والذين يعتقدون بوعيهم الزائف أنهم يحافظون على الإسلام، بينما هم أكثر من يسيئون له وللدين".

وتضيف: "هؤلاء أساؤوا للمرأة والمجتمع اليمني، حيث استغلوا حساسية المجتمع اليمني لحماية المرأة، وقاموا ببث الإشاعات وترويج الافتراءات بغرض تزييف وعي المجتمع تجاه الحقائق، وقد كشف ما نشرته صحيفة أخبار اليوم أن العمل كان ممنهجًا عندما تناولت بالتحريض الاستناد لتلك الإشاعات والتهم، وخاصة التهم التي طالتني بدرجة أساسية، والتي لا أساس لها إلا ما يعشعش في ذهن أولئك".

وتصف الدبعي القائمين على الحملة بعدم التمييز بين قيم المواطنة والمساواة التي كفلها حتى الدين الإسلامي، وبين تفكيرهم اللاعلمي في إسقاط نماذج وتجارب دول أخرى على واقعنا اليمني، والذي هو سياق آخر تمامًا نحتاج لتخليصه من ثقافة الجهل في التفسيرات الدينية البعيدة عن جوهر الدين الذي يحفظ الحقوق والحريات.

وتؤكد الدبعي أن من استخدموا تلك الإشاعات وأمثالهم يهدفون إلى إضعاف مشاركة المرأة في المجال العام، بعد أن استطاعت المرأة اليمنية الانتصار على التحدي السياسي على حساب التحدي الاجتماعي، وهم، عبر نشر الإشاعات وبث الذعر في المجتمع، يستغلون الأوضاع الاجتماعية للنساء لمزيد من تضييق الخناق عليهنّ، معتبرة أن حملة التضامن الواسعة التي تبناها الشباب والمثقفين والكُتاب فضحت هذا التوجه، وقللت من أهميته، وهو ما يدل، بحسب الدبعي، على أن وعي المجتمع اليمني أصبح أكثر حساسية لرفض كل ما يمثل تزييفًا للوعي باسم الدين والأخلاق.