كتبت/ ياسمين الصلوي
في عام 2008، تخرجت ياسمين عبد الجبار من كلية التربية، قسم اللغة العربية بجامعة تعز. تزوجت وانتقلت للعيش في صنعاء، وبعد رحلة مضنية من البحث عن عمل دون جدوى، استسلمت وظلت في المنزل تهتم بطفليها كما تقول.
ومع نشوب الحرب في اليمن مطلع عام 2015، بدأت دائرة التسرب من التعليم في الاتساع لتشمل المعلمين أيضًا بسبب مخاطر الحرب وتوقف المرتبات.
وكانت مدرسة سالم الصباح الثانوية في صنعاء قد شهدت خلال تلك الفترة ازدحامًا طلابيًا بسبب نزوح العديد من الأسر من مناطق مختلفة طالها الصراع، الأمر الذي استدعى فتح أكثر من شعبة للفصل الواحد. وبرغم أن عددًا من المعلمات في المدرسة بلغن سن التقاعد، إلا أنهن قررن مواصلة العمل بنصف دوام إسهامًا منهن في تغطية جانب من الحاجة إلى مزيد من المعلمات، مما سبب فتح مساحة نصف دوام شاغر في المدرسة.
وبحسب عبد الجبار، كان ذلك ما دفعها للتوجه إلى المدرسة والعمل كمتطوعة في محاولة لسد العجز الذي تعانيه المدرسة.
تقول ياسمين: "في فترة عصيبة على عموم الوطن، استدعاني الواجب الديني والأخلاقي للمساهمة في دعم استمرار العملية التعليمية، فقررت العمل كمتطوعة في مدرسة حكومية تعاني من نقص في عدد المعلمات".
وتقول أحلام الأغبري، إحدى زميلات ياسمين: "ياسمين واحدة من المتطوعات المنتظمات في المدرسة، وهي مثابرة وحريصة على التواجد بشكل مستمر لمساعدة الطلاب على تعلم دروسهم بانتظام".
وتشهد العملية التعليمية في اليمن منذ نشوب الحرب مشاكل عديدة، على رأسها تسرب المعلمين، إما بسبب النزوح أو الهجرة بحثًا عن الرزق، أو التوقف عن العمل الوظيفي في ظل توقف صرف المرتبات أو بلوغ سن التقاعد.
الحفاظ عليهم من التسرب
وفي قرية نجد ذي عنقب الجرادية بمديرية مشرعة وحدنان بجبل صبر جنوب مدينة تعز، لعبت أشواق عبد الله وزميلتاها فوزية عبده وفتحي محمد دورًا مهمًا في خدمة التعليم واستمراره في القرية، حيث بادر الثلاثة إلى تدريس الأطفال في ملحقية لمدرسة السعيد تبعد عن القرية مسافة ساعتين.
وتقول أشواق: "المدرسة تقدم الخدمة لتلاميذ الفصول الثلاثة الأولى، وجاءت فكرة افتتاحها بعدما تسرب العديد من الطلاب، خاصة الفتيات، بسبب بعد المدرسة الأساسية عن منازلهم".
وتعمل أشواق كمعلمة متطوعة منذ ست سنوات دون مقابل، كما تقول: "استمريت طوال هذه الفترة من أجل خدمة طلاب القرية، الذين يمرون بنفس ما مررت به من إرهاق بسبب بعد المسافة بين القرية والمدرسة حين كنت طالبة، ولا أريد أن يعانوا مثلي، خاصة في فصل الشتاء شديد البرودة".
وبحسب تقرير لمنظمة اليونيسف، فإن أكثر من أربعة ملايين طفل في اليمن تركوا مقاعدهم الدراسية خلال السنوات القليلة الماضية. منهم من اتجهوا للعمل في مهن مختلفة بغية مساعدة أسرهم في توفير متطلبات العيش، وآخرون اتجهوا لممارسة التسول، ومنهم من فضل العمل في الزراعة.
بدائل عن النازحين
وفي محافظة الحديدة، وبسبب نزوح عدد من معلمات المدارس نتيجة الحرب، بادرت عبير عبده للعمل كمعلمة متطوعة في ثانوية عثمان بن عفان في المحافظة، لعدم وجود بدائل لمن نزحن من المعلمات إلى مناطق أخرى خارج المحافظة.
وتخرجت عبير من قسم القرآن وعلومه في كلية الآداب بجامعة الحديدة، وظلت تنتظر نزول اسمها في كشوفات التوظيف، لكن اندلاع الحرب أوقف عمليات التوظيف ما بعد عام 2014.
وتعمل عبير منذ عام 2018 كمعلمة متطوعة في مجال تخصصها رغم صعوبات كثيرة تعيشها هناك: "الحر يضايقنا كثيرًا أثناء التدريس، أشعر بإجهاد وهبوط حاد أثناء شرح الدروس".
وفي حين تنتظر عبير ومثيلاتها التقدير من المجتمع، تواجه جهودهن بالتنمر: "ليش تدرسي بالمجان؟! ما الفائدة؟! تضيعين وقتك عالفاضي".
ويصف عارف ناجي علي، مستشار وزارة التربية والتعليم في الحكومة المعترف بها دوليًا، تسرب المعلمين بأنه خطر جسيم يواجه التعليم: "تسرب المعلمين ظاهرة جديدة لم تعرفها اليمن من قبل، وهي من ويلات الصراع الذي يلقي بظلاله على العملية التعليمية في البلد".
ويعزو ناجي تسرب المعلمين إلى الأوضاع الاقتصادية التي أجبرت العديد من المعلمين على ترك المدارس والبحث عن فرص عمل أخرى يستطيعون من خلالها توفير احتياجات أسرهم، مثمنًا دور المعلمات المتطوعات في المدارس: "المتطوعات يقمن بدور عالي الأهمية في ظل ما تعيشه العملية التعليمية من نقص في الكوادر التربوية، وهن يساهمن في حفظ مستقبل آلاف الأطفال في مختلف مناطق البلاد".
مدرسة بطاقم متطوعات
وفي مديرية الصلو ذات الوضع المتوتر بسبب الصراع، تعد مدرسة أسماء المدرسة الأساسية الوحيدة للفتيات. ورغم ذلك، شارفت على الإغلاق بسبب نزوح المعلمات منذ وقت مبكر عام 2016، لولا تقدم عدد من الفتيات للعمل بشكل تطوعي وتغطية العجز، الأمر الذي أتاح استمرار العملية التعليمية فيها، بحسب مديرة المدرسة لبنى عبد الرقيب: "أعيد افتتاح المدرسة بفضل كادر متطوع بالكامل منذ عام 2018".
وتفيد عبد الرقيب لمنصة هودج أنها طرقت أبوابًا كثيرة لغرض توفير مبالغ رمزية للمتطوعات لا تتجاوز 25 ألفًا لكل معلمة، موضحة: "استمر ذلك لفترة ثم توقف، بعدها لجأت إلى حل بديل تمثل في فتح باب المساهمة المجتمعية خلال عام 2021".
وتعتبر عبد الرقيب المبادرات الطوعية لخريجات يمنيات دون وظائف بأنها عملية إنقاذ فعلي للتعليم في الوقت الصعب.
وكانت المدرسة قد استفادت من مساهمة اليونيسيف التي قدمت مرتبات لنحو 200 معلم ومعلمة من المتطوعين في المحافظة عام 2022. غير أن المساهمة، كما تقول، استثنت المعلمين والمعلمات المستجدين خلال تلك الفترة، لينتهي الأمر بتوقف المساهمة بعدها، حسب عبد الرقيب.
وتحتاج المدرسة حاليًا، بحسب عبد الرقيب، إلى نحو 450 ألف ريال لتغطية 9 معلمات متطوعات، بمعدل 50 ألف ريال لكل معلمة، في مواجهة تردي الحالة المعيشية وانهيار العملة.
ويفيد تقرير نشرته اليونيسف في أغسطس من العام الجاري بأن وزارة التربية والتعليم تعمل على تنفيذ مشروع لاستعادة التعليم يستمر ثلاث سنوات، بالتعاون بين الوزارة واليونيسف ومنظمة رعاية الأطفال، وبتمويل من البنك الدولي.
ويهدف المشروع إلى تقديم حوافز مالية لنحو 2600 معلم ومعلمة من المتطوعين/ات لتغطية العجز في عدد المعلمين في مرحلة التعليم الأساسي.
حلول ترقيعية
ويصف العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة ذمار، محمود أحمد مغلس، دور المعلمات المتطوعات في اليمن بأنه إيجابي وحيوي، إلا أنه ليس حلًا مستدامًا بقدر ما هو حل ترقيعي للمشكلة في ظل غياب التوظيف الحكومي.
ويشير مغلس إلى أن كثيرًا من المتطوعات والمتطوعين غادروا المدارس هذا العام بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية، خاصة وأن العائد الذي يحصلون عليه غير مجزٍ، بل ويعملون أحيانًا دون عائد بالمرة.