مروى العريقي

 

مع استمرار الحرب للعام السابع على التوالي، تتطبع الحياة لدى كثيرين، إلا أنَّ المرضى النفسيين يكوي معاناتهم الصمت المُطبِق، والعديد منهم لا يجدون الاهتمام الكافي من ذويهم، خاصة المريضات من النساء، وبحسب مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري بصنعاء، فإن عدد اليمنيين الذين يعانون من اضطرابات نفسية يتجاوز الخمسة ملايين شخص، وأكثر من 600 ألف منهم يعانون من "اضطرابات الاكتئاب - Depressive Disorders".

زهرة

زهرة (اسم مستعار)، 65 عامًا، هي الأخت الكبرى لشقيقاتها. تكالبت عليها ظروف الحياة؛ ما أفقدها حبّها لنفسها وللحياة. تطلقت زهرة في تسعينيات القرن الماضي بعد زواج استمر 5 سنوات دون إنجاب. انتقلت إلى بيت العائلة، وأصبحت مسؤولية البيت أولى مهامها في الحياة، أفنت شبابها في تربية أطفال شقيقاتها، والاهتمام بوالدتها المسنة؛ وبسبب الحصار الذي يطوق مدينة تعز إزاء الحرب بين جماعة أنصار الله الحوثيين، والحكومة المعترف بها دوليًا، تركت منزلها هناك، وظلّت تتنقل مع والدتها إلى منازل شقيقاتها حتى توفيت والدتها؛ الأمر الذي فاقم حالتها النفسية، وزاد من الاكتئاب الذي تعاني منه.

"مسألة الذهاب إلى طبيب نفسي، أو مركز للعلاج النفسي، يُنظر لها بدونية من قبل المجتمع"

تقول أحلام - الشقيقة الصغرى لزهرة: "نزحت زهرة مع أمي من بيتنا في مدينة تعز عام 2015م، ولم تتمكن من العودة إليها مجددًا. بعد موت أمي، أصبحت وحيدة تعيش في منزلي، وصحتها سيئة جدًا، ترفض الأكل معنا، وتفضل الجلوس بمفردها".

ترفض زهرة تناول علاجها؛ ما اضطر شقيقتها إلى وضعه بين الطعام، وحين شعرت بذلك، رفضت الأكل أو الشرب، إلى أن وصل بها الحال حد عدم القدرة على الحركة بسبب نقص حاد لديها بفيتامين D، وبعد تناولها الأدوية، تحسنت صحتها العضوية نوعًا ما، إلا أن مرضها النفسي ما يزال قائمًا، حد وصف أحلام.

تتطلب حالة زهرة العناية الحانية من عائلتها، وتناول أدويتها بشكل منتظم ومستمر، أشياء يصعب على 3 أخوات أن يفعلنّها لأجلها؛ ما يزيد من مرضها في ظل غياب الأبناء والوالدين.

"حاولت جاهدًا إقناعهم بضرورة أخذها العلاج بانتظام، إلا أنّهم يرفضون تناولها للأدوية التي يصفها الطبيب"

تتفاوت أعراض مرض الاكتئاب من شخص لآخر، ومن درجة إلى أخرى. قد تكون المرأة في حالة حزن دائم، أو لا تهتم بالنظافة الشخصية، أو كثيرة البكاء، أو دائمة العزلة، أو تشعر بالتعب وعدم القدرة على بذل مجهود، كل هذه الأعراض وغيرها لا تعترف بها الأسرة، ولا بهذا النوع من المرض، كما توضح ذلك بروفيسور علم النفس، الباحثة في النوع الاجتماعي، نجاة صائم خليل،  "الأسرة تنظر للاكتئاب على أنّه دلع؛ فلا يهتمون بشأن العلاج، كما أنّ مسألة الذهاب إلى طبيب نفسي، أو مركز للعلاج النفسي، يُنظر لها بدونية من قبل المجتمع، وترفض الأسرة ترك نسائها في تلك المراكز لأسباب مجتمعية، حتى لو كان بقائهنّ في تلك المراكز يساهم بعلاجهنّ، وتحسن حالتهنّ الصحية".

المس

تعاني أشواق (اسم مستعار)، 43 عامًا، من مرض الاكتئاب المزمن. ترفض تناول الطعام بانتظام؛ ما يتسبب لها بحدوث هبوط حاد ومفاجئ يكاد يُودِي بحياتها.

تعيش أشواق في منزل مستقل برفقة زوجها المشغول في عملين؛ حتى يستطيع توفير متطلبات الحياة له ولزوجته، ووقته الضيق يعيق اهتمامه بها، يقول محمود الزريقي: "تحتاج زوجتي للعناية، لكنّ أسرتها لا تعي ذلك. حاولت جاهدًا إقناعهم بضرورة أخذها العلاج بانتظام، إلا أنّهم يرفضون تناولها للأدوية التي يصفها الطبيب"، ويعلل ذلك بأنهم "يؤمنون بطب الأعشاب، والعلاج بالقرآن".

"النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، وفقًا لتصنيف منظمة الصحة العالمية"

سلك الزريقي طريق العائلة، وذهب معهم إلى 3 قُراء - أشخاص مهنتهم قراءة القرآن على المرضى بنية الشفاء - دون أن يلمس أدنى تحسن في صحة زوجته، ويرجح أسباب تفاقم مرض زوجته إلى صدمتها من عدم القدرة على التمتع بالأمومة؛ فقد أنجبت مرتين، لكنهما ماتا بعد أيام من ولادتهما، يقول: "بحكم انشغالي المتواصل بالعمل؛ لا أجد وقت لمتابعة تناولها للأدوية، وعائلتها ترفض ذلك؛ وهذا ما يجعل مسألة شفائها أكثر صعوبة"، ويضيف: " كأنّهم لا يريدون علاجها، لا حول ولا قوة إلا بالله".

النساء أكثر

توضح خليل: "النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، وفقًا لتصنيف منظمة الصحة العالمية؛ لكونهنّ يتعرضنّ لتغيرات هرمونية، ونتيجة للظروف التي يقاسينها، سواء من قبل المجتمع، أو الأسرة".

وتُفيد: "الاكتئاب، بشكل عام، مرتبط بمواقف، أو ضغوط يمر بها الشخص، وأغلب الأفراد يصابون باكتئاب، حتى الأطفال قد يصابون بدرجات من الاكتئاب"، مضيفة: "عندما يكون الاكتئاب مرتبط بموقف، فالمفترض أن يزول بمجرد انتهاء الموقف، لكنّ تنامي الاكتئاب يُدخل الشخص في مرحلة تستدعي العلاج".

"عدد العاملين في مجال الصحة النفسية من الأطباء النفسيين يقدر بـ 46 طبيبًا؛ ما يعني طبيب نفسي واحد لكل  600,000 مريض"

وعن مخاطر الاكتئاب على المرأة، تقول خليل: "وصول المرأة إلى مرحلة الاكتئاب الحاد يهدد حياتها؛ ففي هذه المرحلة، تكون المرأة غير قادرة على القيام بوظائفها كما يجب، وتكثر إصابتها بالإرهاق والوَهن؛ بسبب عدم الاهتمام، والحزن الدائم، والتداعيات السلبية التي تؤثر عليها وعلى أسرتها، والمريض إذا لم يُعالج، خاصة المرأة، بشكل صحيح في مرحلة من المراحل، قد يصل به الحال إلى الانتحار".

وتشير خليل إلى أن مريض الاكتئاب يَنظر له المجتمع بأنّه "شخص غير مرغوب فيه؛ فيفتقد للرعاية، كما يتعمق لديه الشعور بأنّ لا أحد يحبّه، وللأسف! هذا ما يفعله الأهل والمجتمع حين يكون المريض امرأة".

نظرة المجتمع

ينظر المجتمع اليمني، غالبًا، بشكل سلبي للمريض النفسي، ومن الصعب عليه تقبل إصابة المرأة باكتئاب، وأنّها بحاجة إلى مساعدة وعلاج، تقول خليل في حديثها لـ "هودج": "ترفض الأسرة التعاطي مع هذا النوع من الأمراض، ولا تعترف بها حين يكون المريض امرأة، خاصة عند عدم وجود أعراض واضحة بخلاف الأمراض الجسدية؛ فقد نجدها تأكل وتشرب لكنّها مصاب بدرجة من درجات الاكتئاب، وبحاجة إلى علاج حتى لا تتضاعف حالتها".

تدعو "خليل" الدولة، ممثلة بمشروع البرنامج الوطني للصحة النفسية والمنظمات الفاعلة في مجال الصحة، إلى التوجه صوب مساعدة النساء تحديدًا؛ "كونهنّ الأكثر عرضة للعنف في الأوضاع العادية، ناهيك عن زمن الحروب والظروف غير المستقرة للبلد التي من شأنها أن تدفع لتزايد أعداد المصابات بالاكتئاب بمختلف درجاته".

وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة التنمية والإرشاد النفسي عن تقدير انتشار الاضطرابات النفسية بين السكان المتضررين من الحرب في اليمن خلال الأعوام ( 2014- 2017)، فإن عدد العاملين في مجال الصحة النفسية من الأطباء النفسيين يقدر بـ 46 طبيبًا؛ ما يعني طبيب نفسي واحد لكل  600,000 مريض، كما يقدر عدد المعالجين والأخصائيين النفسيين بـ 130 معالجًا وأخصائيًا نفسيًا، ولا يتجاوز عدد الممرضين النفسيين الـ25  ممرضًا نفسيًا.

الدراسة أشارت، أيضًا، إلى النقص الحاد في عدد المنشآت الصحية، وكذا أقسام وعيادات الأمراض النفسية في المستشفيات العامة، والخاصة، والريفية؛ حيث تنحصر أغلب العيادات الخاصة، والمقدر عددها بـ 35 عيادة، في العاصمة صنعاء.

وتقول الدراسة إن اليمن تعاني من نقص في التجهيزات، والأدوية، والمستلزمات المتعلقة بتقديم خدمات الصحة النفسية المتخصصة.