كتبت/ لطيفة الظفيري

نسيم ناجي 32عاماً، التي تنحدر من مديرية الجوبة، نازحة إلى مديرية الوادي في محافظة مأرب، استفادت سابقًا من الفرق الميدانية للصحة الإنجابية التي تقدم المشورة الصحية والصحة الإنجابية، فقد ساعدتها هذه الفرق أثناء حملها بأطفالها الثلاثة، ووفّرت لها وسائل تنظيم الأسرة بشكل مجاني، بما في ذلك تركيب اللولب.

وأوضحت نسيم أنه في الآونة الأخيرة " خلال هذا العام"، تراجع مستوى هذه الخدمات بشكل كبير، وغابت الفرق الصحية الميدانية، وارتفعت أسعار الأدوية إلى مستويات تفوق قدرتها، ما حرمها من الحصول على وسائل منع الحمل رغم أنها لا تستطيع تحمّل تبعات الحمل.

وقبل أربعة أشهر اكتشفت حملها بطفلها الرابع ولم تستطيع متابعة حملها بسبب غياب الفرق الميدانية، وفي إحدى زياراتها النادرة إلى مركز صحي، كشفت الفحوصات عن نقص حاد في الدم والكالسيوم، ما يزيد من صعوبة الحمل، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة والنزوح المستمر.

قصة نسيم ليست حالة فردية، بل هي جزء من معاناة ملايين النساء اليمنيات اللاتي يُحرمن من الخدمات الصحية الأساسية، ولا سيما خدمات الصحة الإنجابية.

تضع النساء أمام تحديات تهدد حقوقهن الصحية وحياتهن بشكل مباشر، وفي ظل تقليص المساعدات الإنسانية، يصبح التزام الحكومة بدعم هذه الفئة ضرورة لا ترفًا.

ووفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية فإن عشرات المرافق الصحية وعيادات الصحة الإنجابية والحماية ستغلق، مما يحرم مئات الآلاف من النساء والفتيات، بمن فيهن الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، من الحصول على الرعاية الصحية المنقذة للحياة، والدعم النفسي والاجتماعي، والمساعدة القانونية."

وضع الصحة الإنجابية قبل تقليص المساعدات

لم يكن الوضع الصحي بشكل عام والصحة الإنجابية بشكل خاص في اليمن بأفضل حال قبل تقليص المساعدات، حيث أن نحو  40% من المرافق أما تعمل بشكل جزئي أو خارج الخدمة بسبب نقص الموارد والتمويل.    

وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان فقد أنهكت الحرب النظام الصحي في اليمن، حيث أدت إلى تدمير عدد من المنشأت والمباني والمعدات الصحية.

وتعاني اليمن من أعلى معدل وفيات بين الأمهات في المنطقة، وتتم أقل من نصف الولادات بمساعدات فرق طبية محترفة، ويقدم مرفق صحي فقط من بين كل خمسة مرافق خدمات الرعاية الصحية للأم والطفل.

توضح مدير عام الصحة الإنجابية بوزارة الصحة العامة والسكان بعدن، دكتورة إقبال الاغبري، أن العديد من النساء اليمنيات واجهت تحديات كثيرة للوصول إلى المرافق الصحية الثابتة، كما تعترضهنّ عراقيل متعددة حتى بعد الوصول إليها، من بينها ضعف توفير حزمة الخدمات الأساسية، ونقص الكوادر المؤهلة، وغياب الخدمات التي تراعي خصوصية الحالات.

وفقاَ لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإن النظام الصحي في اليمن واجه تدهورًا ملحوظًا يُعيق قدرته على توفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية، وخصوصًا خدمات الصحة الإنجابية في المناطق النائية والمحرومة. وتُجرى فقط 4% من الولادات تحت إشراف كوادر طبية مدربة، ما يُبرز الفجوة الخطيرة في جودة الرعاية الصحية، إلى جانب التفاوت الكبير في المؤشرات الصحية بين المناطق الحضرية والريفية، الأمر الذي يُفاقم التحديات أمام الأمهات والأطفال على حدٍّ سواء.

نحو 1.3 مليون امرأة حامل وأمهات حديثات الولادة يعانين من سوء التغذية، مما يشكّل تهديدًا مباشرًا لحياتهن وحياة أطفالهن

مؤشرات خطيرة تُهدد الحياة

وفقاً لحديث وكيل وزارة الصحة العامة والسكان بعدن أ.د سالم الشبحي فإن تقليص المساعدات الإنسانية يؤثر على الجميع، لكن النساء هنّ من الأكثر تضررًا. لأن احتياجاتهن الصحية متجددة وحيوية، خاصة ما يتعلق بالصحة الإنجابية.

وأضاف الشبحي في حديثة لمنصة هودج: أن غياب الرعاية الطبية الأساسية يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، قد تصل إلى الوفاة في بعض الحالات.

وتُظهر بيانات وزارة الصحة العامة والسكان إن عدد وفيات الأمهات أثناء الولادة في المرافق الصحية الحكومية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بلغت خلال النصف الأول من عام 2025 (113 حالة وفاة)، مقارنة بـ (95 حالة وفاة) خلال العام 2024ووفقا لذلك فهناك ارتفاع ملحوظ في حالات الوفاة.

وفي إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن أمام مجلس الأمن في مارس الماضي، تحدث عن الوضع الإنساني المتدهور الذي تعيشه النساء والفتيات، حيث أكد أن ما يقارب 9.6 مليون امرأة وفتاة بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة.

وفي وقتٍ سابق، دعم صندوق الأمم المتحدة للسكان، تدريب القابلات في اليمن، و أدى ذلك إلى انخفاض الوفيات من الأمهات إلى 65%، إلا أن تقليص الدعم في ذلك سيؤدي إلى أن نصف مليون امرأة ستلد دون الرعاية الطبية الأساسية.

من جانبها أوضحت مشرفة الصحة الإنجابية بمحافظة مأرب، نورة التام، أن تقليص المساعدات أدى إلى تأثير سلبي كبير على النساء، حيث أصبحت وسائل تنظيم الأسرة غير متاحة لكثير من المستفيدات بسبب كلفتها المرتفعة. وهو ما دفع العديد منهن إلى التخلي عن استخدامها، ونتج عن ذلك حصول حالات حمل متقاربة ومتكررة تشكّل خطرًا مباشرًا على صحتهن الجسدية والنفسية، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة وانعدام الخدمات الصحية المستدامة.

وأكدت رئيسة قسم الصحة الإنجابية في المستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة بتعز، إلهام مغلس، على تأثير تقليص المساعدات على وسائل تنظيم الأسرة.

مضيفة، بأن كان هناك دعم لتوفير جميع أنواع وسائل منع الحمل ومستلزماتها، بما في ذلك أدوات التعقيم الخاصة بتركيب الفرسات واللوالب، أما اليوم، فقد توقفت هذه المساعدات بالكامل، وأصبح مكتب الصحة المحلي يوفّر فقط ما هو متاح لديه، مما حدّ من قدرة النساء على الوصول إلى وسائل فعّالة وآمنة لتنظيم الأسرة.

وفي إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن أمام مجلس الأمن في مارس الماضي، تحدث عن الوضع الإنساني المتدهور الذي تعيشه النساء والفتيات، حيث أكد أن ما يقارب 9.6 مليون امرأة وفتاة بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة.

وأوضح أنهن يواجهن ظروفًا قاسية تشمل الجوع، والعنف، وانهيارًا شبه كامل في نظام الرعاية الصحية.

كما أشار إلى أن نحو 1.3 مليون امرأة حامل وأمهات حديثات الولادة يعانين من سوء التغذية، مما يشكّل تهديدًا مباشرًا لحياتهن وحياة أطفالهن.

وأضاف المبعوث إلى أن أكثر من ستة ملايين امرأة وفتاة معرضات لخطر متزايد لغياب الخدمات الأساسية. محذرا من أن تقليص حجم المساعدات الإنسانية سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل أكبر، وقد تتجاوز الأرقام الحالية مستويات غير مسبوقة من المعاناة.

المستقبل في ظل غياب الاستجابة

حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن تقليص التمويل أدى إلى سحب دعم  المرافق الصحية ودعم 14 فريق متنقل يقدم الرعاية للنساء والفتيات في المناطق البعيدة، وفقدت 1،5 مليون من النساء والفتيات الدعم المنقذ للحياة، وربما يؤدي الانخفاض إلى إغلاق أكثر من 700 مرافق صحي في أنحاء اليمن. وهو ما يؤدي إلى حرمان 7 مليون من الحصول على الرعاية الصحية.

من جانبه، قال الدكتور الشبحي أنه في ظل تقلص المساعدات الإنسانية لقطاع الصحة الإنجابية، أصبح الاعتماد بشكل كبير على جهود الطواقم الصحية المتبقية، وأساليب الإحالة الطارئة لتقديم خدمات الأمومة الآمنة. كما يتم التنسيق مع بعض المنظمات التي ما تزال تعمل ضمن نطاق محدود لتأمين المعدات الأساسية وبناء القدرات لضمان استمرارية الخدمات.

مضيفاً، أنه في كثير من الحالات، يتم استخدام وسائل بدائية والعمل دون المعدات اللازمة، مما يشكّل خطرًا على حياة الأم والجنين. وتُبذل محاولات حثيثة لتوفير "حقائب ولادة طارئة" للحدّ من الأضرار وإنقاذ الأرواح.

إن هشاشة قطاع الصحة الإنجابية في اليمن، الذي يُعد جزءاً من منظومة صحية تعاني من الانهيار منذ سنوات، تضع النساء أمام تحديات تهدد حقوقهن الصحية وحياتهن بشكل مباشر، وفي ظل تقليص المساعدات الإنسانية، يصبح التزام الحكومة بدعم هذه الفئة ضرورة لا ترفًا.