تعز - محمد علي محروس

 

"الألم والأمل معنيان مختلفان، لكنهما مرافقان لكل تجربة أمومة تمر بها المرأة، وهي التجربة ذاتها التي أمر بها في طريقي إلى الأمومة، لكن ما يميز النساء في اليمن، والنساء بشكل عام، أنه برغم الحرب والمآسي التي نعيشها يومًا تلو الآخر فإن الأمل لم ينتهِ بحياة طبيعية بجوار أطفالنا وعائلاتنا"، لم يجف بعد دهان جداريتها حين دوّنت الفنانة التشكيلية هيفاء سبيع كلماتها هذه، كان هذا في السابع عشر من ديسمبر الماضي، وهي تخوض غمار رحلة أخرى لنقل معاناة المرأة في اليمن ضمن حملة أطلقت عليها النساء والحرب.

على الرغم من كل ما قد واجهته وما زلت أواجه كامرأة يمنية حامل في زمن الحرب، من خطر الولادة المبكرة وقلة الأدوية وعدم كفاءة المرافق الصحية فإنني ما زلت على يقين بأنني أستطيع تقديم المزيد، وأن أواصل الرسم وأوثق هذه التجربة الجميلة والجديدة والمميزة في حياتي وحياة النساء، تضيف سبيع.

أرادت هيفاء أن ترسم صورة جديدة عن تجربة الأمومة،وأنها ليست فقط تجربة مليئة بالألم، الأمومة سلام نفسي وحب لكائن صغير لم تره بعد،حسب قولها، وتضيف: فضّلت أن أكون أنا الأم والفنانة التي تقوم برسم نفسها كمثال على هذه التجربة الخالصة والجديدة.

 

حاملة السلام المُنتظَرة

كل ما تنشده هيفاء من جداريتها يتمثل في توصيل رسالة مليئة بالسلام والأمل الذي تتمناه وتنشده لنفسها وطفلتها ولكل امرأة في هذا العالم خصوصًا النساء اللواتي يعشن في مناطق الحروب والصراعات، رسالة مليئة بالأحلام الجميلة بأن المولود القادم سيحمل لي السلام الذي أفقدتني هذه الحرب، وفق ما تقول.

حشدت هيفاء عُدّة الرسم لتحكي بشكل مختلف تجربته الخالصة وهي في الشهر السادس من الحمل بـ"نادين"، في هذا الزمن الذي تصفه بالصعب في ظل الحرب الدائرة، لكن ذلك لا يمنعها من أن تتمنى: فرحي في ذات الوقت بأن طفلي القادم سيحمل لي معه الأمل والسلام والفرح.

بالنسبة لسبيع، ليس من الضروري أن يُبنى على الجدارية شيء، لكنها تظن أنها ستكون صورة وجدارية جميلة تعبر عن تجربة الحمل،والعلاقة بين الأم الحامل وطفلتها التي تتمنى أن تلدها دون عناء وفي بيئة مليئة بالأمان والسلام.

  

على حافة الانهيار

وتلقي الحرب المستمرة بين أطراف الصراع في البلاد منذ ست سنوات بظلالها على النساء الحوامل كجزء لا يتجزأ من المتضررين، في هذا السياق يُقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن عدد النساء الحوامل اللواتي يعانين من سوء التغذية بأكثر من مليون امرأة.

تموت امرأة وستة من حديثي الولادة كل ساعتين فياليمن بسبب مضاعفات أثناء الحمل أو الولادة حسب ما ذكرته منظمة اليونيسف في أولبيان من ضمن سلسلة بيانات قصيرة حول صحة الأم والوليدفي اليمن.

 تقول المديرةالتنفيذية لليونيسف هنرييتا فور بأن "قدوم مولود جديد إلى الحياة في اليمنيمكن أن يتحول في كثير من الأحيان إلى مأساة للأسرة بأكملها".

 وأضافت بالقول: "عقود من تدني التنميةوسنوات من القتال الحاد أوصلت الخدمات العامة الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية الأساسية للأمهات والأطفال، إلى حافة الانهيار التام".

بحسب اليونيسف فإن الخدمات العامة الأساسية، بمافي ذلك الرعاية الصحية الأساسية لدعم الأمهات والولادة، على وشك الانهيار التام، تعمل فقط 51 بالمائة من جميع المرافق الصحية بكامل طاقتها، وحتى هذه المنشآت تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات والموظفين.

 

بين الموت والحياة

كما تشير سلسلة الولادة والأبوة في بيئة الحرب  أن معدل وفيات الأمهات ارتفع بشكل حاد منذ تصاعد النزاع من خمس وفيات أمهات يوميًا عام 2013 إلى 12حالة وفاة في 2018.  

من بين النتائج الإضافية التي تم التوصل إليها أنه تموت واحدة من بين كل 260 امرأة أثناء الحمل أو الولادة، 3 ولادات فقط من بين كل 10ولادات تتم في المرافق الصحية، 1من 15فتاة مراهقة تتراوح أعمارهن بين 15-19 سنة أنجبن مواليد جدد.

وأردفت السيدة فور قائلة: "توفر خدمات رعاية الحوامل والولادة بحضور كادر صحي مؤهل أمران ضروريان لبقاء كلاً من الأمهات والأطفال على قيد الحياة".

إلى ذلك تُضيف عبير الهندي، أخصائية نساء وولادة في المستشفى الجمهوري بتعز أن الجوانب المتعلقة بالأمن، والمتغيرات العسكرية على امتداد البلاد فاقمت من سوء الحالة الصحية للنساء الحوامل، فهن غير قادرات علىالتردد المنتظم للمتابعة الدورية لدى المختصين في المستشفيات والمراكز الصحية، إما بسبب المواجهات العسكرية ، أو تردي الوضع الأمني، وانعدام وسائل المواصلات، أوارتفاع كلفها من وقت لآخر، وهو ما يؤدي إلى مضاعفات تصل حد الإصابة بالناسور الولادي وربما الوفاة.

وترى الهندي أن الزواج المبكر، وقلة الوعي، ومايرافق ذلك من تداعيات على المستويين الجسدي والنفسي لا يمكن تجاهله، وهناك حالات كثيرة واجهتها خلال عملي في الميدان، ودون شك هذا مؤشر خطر لا بد من وضعه في الحسبان.

 

وسام جدارة

على الرغم من أن هناك ما يقدر بـ 6ملايين امرأة وفتاة في سن الإنجاب (15 إلى 49 سنة) يحتجن للدعم حسب تقدير صندوق الأمم المتحدة للسكان، فمن المحتمل أن تصاب منهن 144 ألف بمضاعفات الولادة، وهو بالنسبة للدكتورة أنيسة دوكم، أستاذة الصحة النفسية في جامعة تعز لا يُقارن أمام ما تحملته النساء الحوامل أثناء الحرب وجائحة كورونا المستجد، لقد أثبتن أنهن استثنائيات بامتياز ، وهن يتغلبن على كل ما يواجههن من ضغوطات الحمل النفسية، وتقلباته المزاجية والعاطفية، والقلق والتوتر، وما يرافق ذلك من التزامات أسرية، يستحققن وسام جدارة، هذا ما تراه الدكتورة دوكم.

أما هيفاء فقد خلّدت بجداريتها رسالةَ كل أم يمنية تنتظر وصول جنينها وسط دوامة مخاطر لا تُحصى ، بابتسامة المشاعر المرتبطة بين الأم وجنينها تترقب وصول "نادين" في أمان، آملة أن تراها كما تتمناها اليوم؛ لتملئ حياتها بهجة وسرورا.. هل تسمعين أمنياتِ أمكِ يا نادين؟