كتبت/ ياسمين الصلوي  

من مدينة المخا الساحلية، انطلق الصياد أحمد عايش مع ثلاثة من رفاقه في رحلة صيد، مُدركاً المخاطر الجمة التي تحدق بالصيادين اليمنيين من قتل واختطاف وإخفاء وتدمير لممتلكاتهم.

تقول زوجته أم عز الدين، التي تقيم في مديرية زبيد بمحافظة الحديدة – جنوب غربي اليمن- : "في 24 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2024، خرج من المنزل برفقة أولاد عمه لزيارة أمه في مديرية الخوخة، ومن هناك انطلق إلى مدينة المخا ثم نحو البحر".

تُعبر أم عز الدين عن قلقها الدائم: "كنت أرفض عمله في الصيد خوفاً عليه، فالكثير من الصيادين خرجوا من بين أطفالهم ولم يعودوا، وانقطعت الأخبار عنهم. في كل رحلة صيد يقوم بها كنت أموت قلقاً وخوفاً، وأدعو الله أن يعود لي ولأطفاله بخير".

في عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها اليمن، تتكشف قصص مروعة لصيادين خرجوا بحثاً عن لقمة العيش ولم يعودوا، تاركين خلفهم عائلات تعيش على أمل العودة وقلق المصير المجهول، وهنا نسلط الضوء على قضية الصياد أحمد عايش، الذي اختفى في رحلة صيد، ليُصبح رمزاً لمعاناة عشرات الأسر اليمنية.

صياد بلا أثر

أفاد صيادون من الخوخة والمخا، فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، أن أكثر من خمسمائة صياد يُحتجزون سنوياً من مختلف السواحل اليمنية، وتستمر مدة احتجازهم لأشهر أو سنوات، بينما يظل مصير آخرين مجهولاً حتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

سؤال بلا إجابة

لا تزال أم عز الدين تبحث عن إجابة للسؤال الذي يُطاردها: هل لا يزال حياً أم ميتاً؟، سعت بكل السبل؛ تواصلت مع خفر السواحل في الحديدة والمخا، وضباط في المنطقتين، ومع جمعيات ومسؤولين مختصين بالصيادين، بل حتى مع سفراء يمنيين في دول مجاورة ومنظمات حقوقية، لكن دون جدوى.

لا يمر يوم إلا ويسأل أطفال أحمد الخمسة والدتهم عن مصير والدهم. هذا السؤال يُرهق قلب الأم ويضاعف قلقها.

تصف أم عز الدين معاناتها قائلة: "أطفالي يستيقظون من النوم وهم يبكون شوقًا لوالدهم. في كل مشكلة تواجههم، يريدون أن يخبروه بها"!

" اضطررتُ لشراء مجسم بلا رأس ووضعت عليه ملابسه، حتى يتمكنوا من إخباره بما يجري لهم واستشارته في أمورهم الخاصة، في محاولة يائسة لسد الفراغ الذي تركه غيابه" تقول.

أما عز الدين، الرضيع البالغ من العمر عشرة أشهر، فقد جاء إلى الحياة ووالده غائب. خرج أحمد في رحلته الأخيرة سعيًا لتوفير كل ما يلزم لاستقبال طفله الجديد واحتياجات زوجته أثناء الولادة.

تقول أم عز الدين بحزن: "أشعر بوجع شديد عندما يخبرني يوسف أن والده، قبل أن يذهب، وعده بأنه سيذهب إلى البحر لجلب الرزق ليشتري له دراجة هوائية.

تضيف بحسرة: " يعيش طفلي يوسف على هذا الوهم".

معاناة نفسية مضاعفة ودوافع المخاطرة

يُوضح الأخصائي النفسي جمهور الحميدي أن النساء وأطفال الصيادين المختفين يمرون بظروف نفسية عصيبة، يشعرون فيها بالإحباط والحرمان والفقد نتيجة غياب رب الأسرة.

ويُضيف أن شعور الغموض يُضاعف من القلق والألم النفسي، فالشخص يظل حائراً بين إعلان وفاة أحبائه أو التمسك بأمل عودتهم، وهي من أصعب المشاعر التي تُفاقم الأمراض النفسية.

ويُفيد ناشط من مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة (طلب عدم ذكر اسمه) أن أعداداً كبيرة من الصيادين اليمنيين يُحتجزون داخل المياه الإقليمية لدول مجاورة.

ويُعزى السبب وراء دفع هؤلاء الصيادين للمخاطرة وتجاوز المياه اليمنية إلى بحثهم عن مناطق غنية بالأسماك، بعد أن سُمح للقوارب الكبيرة التابعة للشركات الأجنبية بجرف الأسماك والشعاب المرجانية، مما أدى إلى افتقار البحر اليمني للثروة السمكية.

وأكد الناشط أن التراخيص الممنوحة للقوارب الأجنبية كانت تسمح لها بالجرف على بعد 11 إلى 12 ميلاً بحرياً، لكن مسؤولين في الثروة السمكية سمحوا لها بالدخول إلى عمق 6 أميال بحرية، وهي أماكن تواجد الأسماك والجمبري بكثرة.

حصلت منصة "هودج" على كشف بأسماء صيادين احتُجزوا في 28 شباط/فبراير 2024، ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى تاريخ كتابة المادة، وهم: متعب صالح، أحمد صالح علي، طلال عادل أحمد، فؤاد محمد فتيني، فؤاد عبده زوقري، محمد خالد، وفتحي أحمد. كما يضم الكشف صيادين محتجزين منذ 26 شباط/فبراير 2024 وهم: عبد الله تنبل، ياسر تنبل، محمد تنبل، وعبد الله حيدر.

إجراءات ضرورية لأسر المختفين

يُشير الناشط الحقوقي محمد الغليسي إلى مجموعة من الإجراءات التي ينبغي على أسر الصيادين اتباعها فور اختفائهم، أولها إبلاغ السلطات المحلية داخل المحافظة أو المدينة التي انطلق منها الصيادون، وإبلاغ المنظمات الحقوقية المعنية بحالات الإخفاءات والاعتقالات التعسفية، ثم التواصل مع الصليب الأحمر والهلال الأحمر، الذين تكمن مهمتهم، وفقاً للقانون الدولي الإنساني، في البحث عن المعتقلين والمخطوفين في المعتقلات والسجون.

وتتحمل هذه الجهات مسؤولية التواصل مع السلطات في الدول المجاورة وتكرار زيارة المعتقلات والسجون، خاصة المنظمات الدولية المعنية.

وأشار مدير عام الموانئ والمراكز السمكية في الهيئة العامة لمصائد السمكية في البحر الأحمر، هربي حسن عزي بنده، إلى أن الهيئة تقوم بالتواصل مع الجهات التي تحتجز الصيادين اليمنيين والتنسيق للإفراج عنهم، بمجرد تلقيها بلاغ بوجود صيادين يمنيين.

رسائل عبر الوهم

في محاولة يائسة للتواصل مع زوجها المختفي، وجدت أم عز الدين في تطبيق "واتساب" وسيلتها لمخاطبة رقمه المغلق. تكتب له كل ما يدور في حياتهم وما يُحزنها في غيابه، حتى وإن كان وهماً، فالمهم بالنسبة لها أن تجد وسيلة للوصول إليه أو شيئًا يخصه.

تقول: "أكتب له أن عز الدين كبر وقد أصبح ينطق بابا، وأن منزلنا الذي لطالما انتظر أن يكتمل أصبح جاهزاً للسكن، وأن أهلي الذين كانوا رافضين فكرة زواجنا لأنه غير متعلم، وضد أن أعيش في الريف، باتوا يحبونه ويتمنون عودته. كما أن طفلي أسامة يحلم بشكل متكرر أن والده يُجلد في سجون دولة مجاورة، وقد آن الأوان لينام دون هذا الكابوس".