بشرى الحميدي

"ليتني لم أكبر يومًا"، بهذه العبارة بدأت تولين (اسم مستعار)، 30 عامًا، حكايتها لـ"هودج". 

تولين واحدة من الفتيات اللاتي كان البلوغ بالنسبة لهنّ وقعًا سيئًا بسبب ما تحملته من تبعات قاسية، وبسبب ما فرضته الأسرة تجاهها في تلك الفترة الفاصلة بين الطفولة والبلوغ .

تقول تولين: "كان يتوجب عليّ أن أتصرف كالفتاة البالغة سن الرشد، وأن أنفذ جميع إملاءات الأهل، وأن أراقب خطواتي".  

مراقبة باستمرار

منذ بداية بلوغها، تحملت تولين مسؤولية كبيرة ومفاجئة، حرمت من اللعب الذي كان مصدر سعادة بالنسبة لها, دخلت المطبخ مبكرًا, وألزمت بالعديد، كوجوب ارتداء الحجاب وملابس معينة بعيدًا عن رغبتها، وأن لا تضحك ضحكة مسموعة, وتحدثها بالكلمات الموزونة، ومنعت من الظهور أمام الناس.

لم تكن الأسرة هي التي تراقب تصرفات "تولين" في تلك المرحلة وحسب،  بل وأفراد المجتمع أيضًا، فلم تسلم من أسئلتهم المفاجئة وتوبيخهم المتكرر لها، "كنت أذهب إلى بيوت الأهل والأقارب في حارتنا، وكان كل تصرف أقوم به محسوب عليّ، فلا يقبلون أي سلوك طفولي أو تصرف لا عشوائي لأني بنظرهم كبرت، لذا كنت أوبّخ كثيرًا منهم, وكان سلوكي وحركات جسدي العفوية مراقبة باستمرار".

"تعتبر الأم أن البنت أصبحت امرأة متكاملة، على الرغم من أنها غادرت مرحلة الطفولة بخطوة واحدة وحسب"

بالنسبة لتولين، فقد كانت مرحلة البلوغ قاسية ومفزعة، قيدت حركتها وحرمتها من ممارسة حياتها الطفولية، وبها أصبحت فتاة مكتملة النضوج بنظر الجميع، كما تقول، وتضيف: "لم يكن أهلي يعلمون ماذا أعاني من قلق نفسي بسبب البلوغ، فقد كانت حركتي محدودة، وكان يتوجب عليّ أن أنتبه لكيفية جلوسي، وأن لا أضع ساقًا على ساق لأن ذلك في نظرهم يعد عيبًا، حتى أنهم غرسوا في نفسي ضرورة التكتم على أنوثتي السطحية؛ ما جعلني أعتقد أن الأمر سيء ومخيف".

تردف تولين: "لم يقف الأمر عند ذلك فحسب، بل أصبحت بنظرهم فتاة بالغة في عمر الزواج. كنت محاطة بالتحذيرات: هذا عيب، وهذا حرام! ولم أكن سيدة نفسي حتى في اتخاذ قراراتي الذاتية".

لا تزال طفلة

تقول رئيسة قسم الشؤون الزوجية والأسرية في منظمة يمن ميديا جايد، الدكتورة ألطاف الأهدل، إن الفتاة في مجتمعنا تواجه صعوبة في البلوغ لأسباب متعلقة بالتنشئة العامة, "تعتبر الأم أن البنت أصبحت امرأة متكاملة، على الرغم من أنها غادرت مرحلة الطفولة بخطوة واحدة وحسب، أي أنها لم تصبح امرأة ولا فتاة مكتملة. هي لا تزال طفلة".


وتضيف: "نظرة الأسرة للبنت، أنها أصبحت امرأة مكتملة، يجعلها عرضة  للضغوطات الأسرية. تحجبي، لا تظهري على الناس، غطي جسمك.. فتدخل الفتاة في مرحلة نفسية سيئة لكونها أصبحت تحت المجهر, وتقود المسألة إلى حدوث حالة من التمرد".

"تُحدث معها تغيرات جسمية تجعل الفتاة في حالة من الاستحياء وعدم قبول الذات، خاصة إذا لم يسبق مرحلة البلوغ تأهيل وشرح لهذه التغيرات"

ويشير عميد مركز الإرشاد والبحوث النفسية بجامعة تعز، جمهور الحميدي، إلى أن مرحلة المراهقة "مرحلة فاصلة بين مرحلتين هما الطفولة والرشد، هذه المرحلة يعدها الأخصائيون مرحلة الفطام النفسي، والتي تتميز بخصائص نفسية مختلفة أبرزها الاستقلالية، وتكوين الهوية، وتحديد الأهداف والدور في الحياة".

ويوضح: "تتميز هذه المرحلة بالانسحاب والانعزال عن الأسرة والتفاعل الاجتماعي، ويجب على الأسرة أن تمد الأفراد بمجموعة من الأساليب في كيفية التعامل واكتساب المهارات الاجتماعية التي تتناسب مع تلك المرحلة ومتطلباتها".

تغيرات نفسية وانفعالية

وتضيف أستاذة علم النفس في كلية التربية بجامعة تعز، ياسمين الرسمي: "التغيرات الهرمونية التي تصاحب مرحلة البلوغ تُحدث معها تغيرات جسمية تجعل الفتاة في حالة من الاستحياء وعدم قبول الذات، خاصة إذا لم يسبق مرحلة البلوغ تأهيل وشرح لهذه التغيرات وأنها طبيعية؛ بحجة العيب وأنه لا ينبغي أن تُفتح مدارك الأبناء؛ فيستقون معلوماتهم من الأصدقاء أو النت الذي يحمل في طياته الغث والسمين".

 وتؤكد: "تؤدي الصدمة بالتغيرات الجسمية المفاجئة إلى حرمانهم المفاجئ من اللعب كما كانوا صغارًا، أو ارتداء ملابس مختلفة خاصة عند الإناث، كما تصحب هذه المرحلة تغيرات نفسية وانفعالية للمراهق/ ـة تجعله متقبل المزاج وكثير الحساسية والبكاء أو شديد الغضب".

"كان يتوجب عليّ أن أتصرف كالفتاة البالغة سن الرشد، وأن أنفذ جميع إملاءات الأهل، وأن أراقب خطواتي"

وتقول الأخصائية النفسية، غدير البحيري: "مرحلة المراهقة مرحلة انتقالية، تتطلب القدرة على التعامل الخاص والحذر، وتجمع بين متطلبات الطفولة ومتطلبات المراهقة".

وتضيف: "تتّبع الأسر في مجتمعنا أسلوبًا واحدًا هو الأمر وفرض الرأي باعتقادهم أنه الأسلوب الأنسب، لكنه لا يجدي نفعًا حيث يسير في اتجاهين؛ إما يزيد من عِناد الطفل، أو يسبب أعراضًا نفسية كالانطواء والانسحاب والخجل والانعزال الاجتماعي".

وتؤكد البحيري: "يجب التركيز على أن سمات الطفولة تكون مسيطرة على هذه المرحلة الانتقالية، وينبغي التعامل معهنّ/م بطريقة تُراعى فيها حاجات الطفولة من احتواء وتقبل واهتمام، والتعامل مع ظهور العلامات بالتدريج، فلا نأخذ الأمور بجدية وعنف، بل يجب التقرب بحب وتفهم وإعطاء نصائح بأساليب نقاشية مختلفة".