كتب/ محمد الأصبحي

 لطالما وجدت المرأة اليمنية نفسها تخوض حربا منذ نعومة أظافرها مع سطوة المجتمع القبلي وعاداته التي تحجم من دورها وتقلل من شأنها، وفي ظل رضوخ العديد من النساء لهذا الواقع، تأبى أخريات إلا أن ينتزعن حقوقهن مهما كلفهن الأمر.

 لا تخلو أروقة المحاكم من قضايا الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في العديد من المحافظات اليمنية، إلا أن بعض تلك القضايا تصل إلى طريق مسدود في حالة وجدت المرأة نفسها وحيدة وبلا أي دعم يذكر.

"تصلني بشكل شبه يومي رسائل عديدة من قبل فتيات يتعرضن لانتهاكات مختلفة، ولا أبخل بتقديم الدعم المعنوي لهن أو الاستشارات القانونية المجانية" بهذه الكلمات تعكس ابتهال الكوماني تأثير قضيتها الإيجابي على النساء في محافظة ذمار، بعد أن كان الصمت هو الخيار الأكثر ممارسة.

رفض التنازل

ابتهال (29عاما) هي واحدة من بين آلاف النساء في محافظة ذمار اللاتي تعرضن للانتهاك  في ظل غياب القوانين الرادعة، ووصمة العار المجتمعي التي تطاول كل من تطالب بحقها في القصاص، لكنها أبت التنازل عن حقها تحت أي ظرف، تقول ابتهال بأنها كانت أول امرأة في محافظة ذمار تخرج عن صمتها وترفع دعوى في المحكمة بقضية ابتزاز الكتروني وتترافع عن القضية بنفسها.

تبدأ قصة ابتهال عندما قررت الالتحاق بكلية الشريعة والقانون لتصبح محامية، حيث واجهت معارضة شديدة من قبل عائلة والدها بحجة أن دراسة القانون تجلب العار المجتمعي للعائلة، لكن دعم والدها شجعها على التسجيل في الجامعة برغم القطيعة التي حدثت بين أفراد العائلة.

تقول ابتهال أنه بمجرد تخرجها من الجامعة حاول أعمامها جاهدين اقناع والدها  بألا يسمح لها بممارسة مهنة المحاماة، مبررين ذلك بأن الاختلاط الحاصل في المحاكم مخالف للعادة التي تتبعها العائلة، لكن والدها لم يرضخ لرغبتهم وكلفه ذلك القطيعة الكاملة من جميع افراد عائلته.

وتتابع: في المحكمة واجهت العديد من التحديات كان على رأسها الرفض لوجودي فيها، لكن ذلك خلق لدي دافعًا أكبر لأن اتعمق أكثر في المجال الحقوقي، وانضممت لمجموعة من الناشطين الحقوقيين المناصرين لقضايا المجتمع، بحيث كنت المرأة الوحيدة بين قرابة عشرين رجلًا.

تحريض وتشويه

حتى العام 2022 كانت ابتهال امرأة منقبة، ونظرا لطبيعة عملها الحقوقي نزعت النقاب، تقول بأنها حينذاك واجهت حملة شعواء من قبل رواد منصات التواصل الاجتماعي، ولم ينتهي الأمر عند ذلك الحد، حيث وجدت نفسها في ظرف يومين (وهي غير متزوجة) متهمة بجريمة ارتكبتها امرأة اخرى قتلت زوجها وقطعت جثته.

وتواصل: تم استغلال صورتي الشخصية على موقع فيسبوك، مبررين بأن نزعي للنقاب هو ما جعلني أقدم على تلك الجريمة التي اتضح لاحقا ارتباطها بامرأة أخرى ، وتم تداول الشائعة بشكل واسع جدًا.

فاتحت ابتهال والدايها بالأمر،بحيث وقفا بجانبها وشجّاعها على تقديم بلاغ لمركز الشرطة، وبعد العديد من الإجراءات والمتابعات مع مركز الشرطة تمكنت من معرفة من بدأ الشائعة.

ومع بداية شهر أغسطس 2023 لمحت ابتهال وهي تتصفح تطبيق واتساب رسائل من رقم غريب لكنها تجاهلتها وقامت بحظر الرقم، وهنا كانت بداية معاناتها النفسية مع التشهير استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر.

تقول ابتهال:" كنت كلما حظرت رقمه كان يظهر لي برقم آخر  ويهددني بالقتل وتشويه سمعتي، حتى أنه وصل إلى صديقاتي وزملائي وهددهم، ولم يكتفِ بذلك بل أنشأ حسابا على موقع  فيسبوك باسمي وسوق من خلاله أني أتاجر بالخمور والجنس وبدأ استعمال اسمي وصورتي لجبي المال"

وتتابع: تعاملت مع الأمر بشكل قانوني رغم الألم النفسي والوصمة المجتمعية، واستعنت بمختصين رقميين، ومن ثم قدمت بلاغًا لقسم الشرطة مصحوبًا بكل الأدلة التي حرصت على توثيقها طيلة فترة الابتزاز ،وبعد أيام من محاولة الإمساك بالمتهم  دون جدوى، نقلت قضيتي للبحث الجنائي، وبعدها بثلاثة أشهر تم القبض على المتهم.

كان للدعم الذي لاقته ابتهال من قبل والديها، إضافة إلى وعيها بأن قضيتها لم تعد شأن شخصي بل أصبحت تمثل آلاف النساء اللاتي يجب أن ينصفهن من خلالها، بالغ الأثر في تشجيعها على المواصلة وعدم الاستسلام رغم كل الضغط النفسية والمجتمعية.

توضح ابتهال بأنه بعدما تم القبض على المتهم، قامت برفع قضية في المحكمة ورفضت كل عروض زملائها المحامين في الترافع عن قضيتها، مبررة ذلك برغبتها بآخذ حقها بنفسها، وتضيف: كان لابد للصمت المخيم على النساء أن يكسر بواسطة إمرأة.

تقول ابتهال أنه برغم جمود القانون اليمني في مواجهة القضايا المستحدثة، خصوصا المتعلقة المرأة، إضافة إلى التناقض الموجود بين الحقوق الدستورية والقانونية المكفولة للمرأة والواقع العملي إلا أنها بذلت كل الجهد من أجل قضيتها التي كسبتها في نهاية الأمر.

"حتى الان شهدتُ 11 حالة لنساء تعرضن لانتهاكات، وقمن بتقديم بلاغات لأقسام الشرطة، بحيث يعزين ذلك لكسري أنا حاجز وصمة العيب في ذمار " تختم ابتهال  حديثها.

تفعيل قوانين رادعة

تقول المحامية والناشطة الحقوقية معين العبيدي أن الظلم والانتهاكات التي تتعرض لها العديد من النساء في المجتمع القبلي تجعلهن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الدفاع عن أنفسهن بطريقة أو بأخرى وإما الاستسلام للواقع والذي ينتهي غالباً بأن تُقتل المراة أو تقدم على الانتحار، خصوصا فيما يتعلق بالابتزاز.

وفي حديثها عن الوضع القانوني، أوضحت العبيدي بأن عدم تحديث الدستور والنصوص القانونية وتعطل مجلس النواب منذ سنوات طويلة خلق معضلة في السلك القضائي والقانوني نظرا  للفجوة الكبيرة بين المواد الدستورية وقضايا الواقع المعاش، ولا يجد العامل في هذا المجال إلا أن يكيف المواد القانونية بما يخدم قضايا العصر، وهذا على كم هائل من الصعوبة.

كما أكدت على زيادة الانتهاكات بحق النساء، حيث كشفت تقارير حقوقية عن أن الانتهاكات الموثَّقة بحق النساء في اليمن تجاوزت 8400 حالة منذ بداية الصراع في البلاد عام 2015 وصولاً إلى نهاية العام الماضي 2024.

من جهته يقول الصحفي الناشط الحقوقي لطفي نعمان  أن الإحساس بالظلم يدفع إلى المطالبة برفعه وازالته، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة ،وشعور المرأة بما يقع عليها من ظلم فضلا عما يمارسه المجتمع الذكوري من اضطهاد واستخفاف بضعفها يقوي من عزمها على مجابهة هذا التحدي باصرار وعزم لا يلين.

وأضاف: يتناسى الناس أحيانا ما تتمتع به المرأة من دهاء وحنكة وذكاء وقدرة على تسيير الأمور، وتاريخ اليمن القديم والحديث والمعاصر خير شاهد على قصص وتجارب نسوية عدة.

وأوضح نعمان  أن إصرار المرأة على نيل حقوقها الطبيعية العادلة أقوى أثرًا من العادات والتقاليد، ولن يثنيها عن ذلك مجتمعها سواء كان قبليا محافظا أو مدنيا متفتحا.