تعز \محمدعلي محروس

" أنا موءودة من الداخل، مهشّمة، مستمرة حتى لا يُقال بأنها هُزمت.. أعيش مع الرجل الذي لم أحبه، اختاره لي أبي دون علمي، هكذا دون سابق إنذار، أخبرني أن فلانًا هو زوجي، جاء إليه وطلبني منه، واتفقا على ذلك،كأنني سلعة، لا مشاعر لي ولا إحساس"، هذه هي الفقرة التعريفية لحياة سلوى"اسم مستعار" وهي التي لم تجد بُدًّا عن مواجهتها: "وجدتني بين أبوين منفصلين، تركا بعضهما ولم أكمل بعد عامي الأول، لم أعرف بأن لي أمًا وأنها على قيدالحياة إلا وأنا في عمر السابعة ، كان ذلك تدشينًا لمرحلة صراع مستفيضة بين أبي وأمي، وأنا بينهما، أجني ويلات عنادهما الدائم، وأدفع الثمن"، تقول سلوى.

بين البداية والنهاية تفاصيل من ألم، تواصل سلوى حكايتها: "لم أعش في كنف واحد منهما، لا أعرف حنان الأم ولا عطف الأب، كنت رهينة عند أهل والدي، حتى هم كانوا يعاملوني بقسوة، وعندما أردت دراسة التخصص الذي أحببته تحايلتُ عليهم جميعًا، بما في ذلك أمي، التي منعتني بصراخها وعويلها عن حضور الاختبار النهائي، عندما عرفت بأني أدرس غير ما أخبرتها به، لتحرمني من حلمي الذي راودني منذ كنتُ طفلة".

"تخيّل، وأنا ما زلت في بداية عشرينيات عمري، وأعاني من قرحة في المعدة، وآلام القولون، وتراكمات نفسية صعبة، كل هذا بسبب ما واجهته، هل هناك مرارة عيش كالتي أنا فيها؟".

جهودٌ واقعية وافتراضية

سلمى واحدة من بين اليمنيات اللواتي رافقهن العنف منذ نعومة أظافرهن، في بلد يغلب عليه طابع التقاليد والعادات الاجتماعية في التعامل مع المرأة، وقولبة العديد من الأدوار وتوزيعها مع التباين في ذلك من منطقةإلى أخرى.

سنويًا، تُطلق الأمم المتحدة حملة 16يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة بالتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة والمحدد بالـ 25 من نوفمبر، وتستمر الحملة العالمية حتى العاشر من ديسمبر كل عام.

اليمن واحدة من بين الدول التي أطلقت فيها مكونات ومؤسسات نسائية وشبابية الحملة ضمن المواكبة العالمية وللفت النظر إلى معاناةالمرأة اليمنية وقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الحرب وجائحة كوفيد19.

مؤسسات ومنظمات محلية أخذت على عاتقها إحياء الحملة بفعاليات توعوية على الأرض، وأخرى افتراضية، إضافة لحملات إلكترونية تناولت القرار1325حول المرأة والسلام والأمن، وتجارب نسائية ناجحة، وقصص متنوعة للألم والمعاناة.

فهمية الفتيح مسؤولة الإعلام بصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن تتحدث عن الجهود المبذولة لمواكبة الحملة بالقول: كل عام وتحت شعار موحد، يحاول صندوق الأمم المتحدة للسكان كقائد ومنسق لجهود تنسيق الاستجابةلحماية النساء من خلال الكتلة الفرعية لحماية المرأة مع كل الشركاء أن يسلط الضوءعلى قضايا العنف، ورفع الوعي بأهمية القضاء على كل أنواع العنف وماله من تبعات وخيمة ومشاكل خطيرة على الصحة البدنية والنفسية والإنجابية للمرأة.

وتضيف الفتيح: هذا العام، الشعار الوطني "السلامةو الكرامة من أجل واقع أفضل" هَدِف إلى تسليط الضوء على الشجاعة والصمود والدور الإيجابي الذي تواصل النساء في اليمن لعبه وسط صراع عنيف ووباء يفتك بالبلاد.. لدينا أكثر من 100 شريك محلي في اليمن نفذوا نشاطات متنوعة خلال هذه الحملة.

تعزيز الصوت النسائي

الحضور الكبير للفعاليات والأنشطة في محافظات كحضرموت ومأرب والحديدة وأبين، على غرار عدن وصنعاء وتعز اللواتي تواكبن الفعاليات العالمية بانتظام، كان بمثابة الزخم الذي بُني عليه صناعة وعي معرفي بقضايا المرأة وأهمية دورها في الحياة العامة بكل جوانبها.

فعاليات هذا العام كانت أشد حرصًا على تعزيز الصوت النسائي، فالكيانات النسوية عملت بكل طاقاتها لإيصال أهمية دور المرأة للمشاركة في الحياة المجتمعية، وصناعة القرار من خلال العديد من البرامج والأنشطة التي جمعت بين النساء وكافة فئات المجتمع، هذا ما تقوله سعادة العريقي، الناشطة الشبابية والمدربة في قضايا المرأة

تعوّل العريقي على فعاليات الحملة نظرًا لتقبّل المجتمع بشكل واسع عن ذي قبل لمفهوم مناهضة العنف ضد المرأة، ودعمه الكبير لإيصال صوت المرأة المُعنّفة، والضغط لسرعة وضع الحلول وتوفير الأمن والحماية لها من كافة فئات المجتمع، وتقديم العديد من المقترحات التي تؤيد هذا التوجّه، وهو ما يدل على مدى الأثر الإيجابي الذي أسفرت عنه برامج وأنشطة التوعية وتعزيز مفاهيم إشراك المرأة وأهمية دورها في بناء وتنمية المجتمعات والوصول إلى عملية السلام، والكلام للناشطة العريقي.

 

مؤشرات الحرب والجائحة

أدت جائحة كوفيد-19 إلى زيادة أوجه عدم المساواة التي لطالما كانت مشكلةً من قبل الجائحة، ولكن جاء الفيروس ليكشف عن نقـاط الضـعف المتأصـلة فـي النظـم الاجتـماعـية والاقتصادية التي بدورها أدت إلى تضخيم آثار المرض، وهو ما يؤدي إلى تقويض التماسك الاجتمـاعي بالفعـل والقدرات والخدمات المؤسسية المحدودة، وفق تقييم للمكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة شمل تسع دول من بينهن اليمن.

بحسب منظمة العفو الدولية فاليمن تحتل المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للسنةالـــ 13على التوالي، ظلت النساء يعانين من عدم المساواة في النوع الاجتماعي المترسخ بشدة في مجتمع موغل في النزعة الذكورية وذي أدوار صارمة بين الجنسين، وبالرغم من أن النزاع في اليمن خلَّف تأثيرًا رهيبًا على كل المدنيين بصفة عامة، فإن النساءوالفتيات تأثرن بهذا الوضع بشكل غير متناسب.

وأدت الصور النمطية السلبية بشأن أدوار النوع الاجتماعي والمواقف الذكورية، والنظام القانوني التمييزي، وانعدام المساواة الاقتصادية، إلى مفاقمة الوضع الهش للمرأة فيما يخص تعرضها للعنف.

المدير التنفيذي لمؤسسة مسار للتنمية وحقوق الإنسان راشد محمد يرى بأن المرأة اليمنية تعرضت لصنوف متعددة من العنف والانتهاكات خلال فترة الحرب وخلال أزمة فيروس كورونا، كما تعرضت لانتهاكات معنويةونفسية كبيرة، حتى أنها مُنعت من الوصول إلى الخدمات الأساسية كالصحة والمياه وغيرها.

الحلول في هذا السياق من وجهة نظر راشد ليست وصفات جاهزة، بل هي تراكمية وتحتاج إجراءات متعددة أبرزها الاعتراف بدور المرأة والقبول بها كشريك أساسي في المجتمع، وهذا بحاجة إلى جهود ثقافية وتوعوية، وإلى إجراءات اقتصادية تمكن المرأة من الإسهام في عملية الإنتاج والتنمية في البلد، وعلى مستوى الإجراءات الحكومية لابد من استيعابٍ أكبر للمرأة في المؤسسات والهيئات الرسمية وفي المجتمع المدني، إعمالًا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.

صورٌ عدة تشكّلت للمرأة اليمنية، بفعل العادات والتقاليد التي تدفع نحو هيمنة ذكورية بحتة، وأخرى فرضتها أعباء الحرب الدائرة منذ سنوات وتبعات جائحة كوفيد19، وبين دائرة المعاناة هذه، تحاول المرأة اليمنية أن يصل صوتها إلى ما تريد؛ حتى تصبح في المكان الذي تستحقه، بعيدًا عن مايُفرضُ قسرًا، ولسان حالها: ستكتمل الصورة ما دمتُ مؤمنة بكياني!