رئام الأكحلي

تعاني النساء في اليمن من مشكلات عدة تؤثر عليهنّ، وتمثل انتهاكات لحقوقهنّ، ولكن هل تصل هذه الانتهاكات إلى القوانين أو مواد معينة فيها؟

يسلب قانون الولاية المرأة حقها في تزويج نفسها بمن تختاره مناسبًا لها، ويظهر هذا الأمر جليًا في المادة "16" من قانون الأحوال الشخصية اليمني التي تنص على أن "ولي عقد الزواج هو الأقرب فالأقرب على الترتيب: الأب وإن علا، ثم الابن وإن سفل، ثم الإخوة، ثم أبناؤهم، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم، ثم أعمام الأب، ثم أبناؤهم كذلك، ويُقدم من تكون قرابته لأب وأم، وإذا تعدد من هم من درجة واحدة كانت الولاية لكل منهم، ويصح عقد من سبق منهم مع رضاها به، ويبطل عقد من تأخروا إذا عقدوا لأكثر من شخص واحد في وقت واحد، وإذا أشكل ذلك بطل العقد، إلا إذا ارتضت أحد هذه العقود صح وبطل غيره".

 

تعدد الزوايا

"قانون الأحوال الشخصية اليمني تناول موضوع الولاية بشكل مبهم وغير محدد مستندًا إلى تشريعات دينية، وإجماع أغلب المذاهب في اليمن على عدم إجازة زواج المرأة بدون ولي أمرها وإن كانت ثيبًا، ومهما بلغت درجة وعيها، ومهما حققت من منجزات"، هكذا يعلق نجيب مرشد، وهو محامي يمني.

ويرى مرشد بأنه من الممكن النظر إلى هذه المواد من زاويتين مختلفتين، "فقد تكون رادعة لفوضى يمكن أن تنشب بمجرد فتح الباب على مصراعيه، خاصة في مجتمع لم يصل بعد لمستوى عالٍ من الوعي الذي يمكنه من فهم القوانين وتطبيقها كما يجب، كما أن التطبيق الحرفي للمواد دون تنظيم وتفصيل بشكل واضح ومراعٍ للوضع، وبما يحقق حماية للنساء باعتبارهنّ المعنيات بالأمر، واعتبارها، أي الولاية، من القضايا الحساسة والمؤثرة في مسار حياتهنّ بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، من شأنه التسبب بالضرر البالغ لهنّ، كما يقول.

ويوضح متعجبًا: "من غير المعقول أن تمتلك المرأة الأهلية الكاملة في إدارة شؤون حياتها في مختلف المجالات، وأن تمتلك المقومات التي تمكنها من الوصول إلى أعلى المراتب، وحيازة الفرص، وتحقيق التغيير، والمشاركة في صنع القرارات المصيرية في البلد، ورئاسة المحاكم، وممارسة مهنة القضاء، والحكم في قضايا مصيرية، وفي المقابل تسلب الحق وتطعنّ في أهليتها عندما يتعلق الأمر بتزويج نفسها أو اختيار الشريك المناسب لها"، منوهًا: "قد يتجاوز الأمر الضرر ليعد انتهاكًا واضحًا وأمرًا يعرض حياتها للخطر بشكل قانوني، وبدون عقوبات رادعة من القانون".

 

عضل الولي

ولعل من أهم القضايا والمشكلات التي لا تكاد تخلو منها المحاكم اليمنية   قضايا   "عضل ولي الأمر" والعضل   يعني امتناع ولي أمر المرأة عن تزويجها بمن ترغب سواء كانت بكرا او ثيبا بما يقتضي عليها اللجوء الى المحكمة لتزويجها.
حيث يسرد المحامي مرشد  ل" هودج " بأن من يلجأن إلى القضاء بدعوى عضل هن قلة ممن يتعرضن لهذا الإنتهاك بسبب عدم وعيهن ،أو خوفهن من أسرهن من استعمال ذلك الحق باللجوء إلى القضاء، فمن يلجأن إلى القضاء هن قلة بسبب الضغط والإعتداءات التي  يتعرضن لها من قبل أسرهن وخير دليل على ذلك تلك الفتاة  التي تم قتلها من قبل أخوها داخل إحدى المحاكم عندما تقدمت بدعوى على أبيها لتزويجها .
أغلب الإناث اللاتي يعضل أولياء أمورهن يحجمن عن استخدام حقهن في اللجوء إلى القضاء بسبب تأخير المحاكم بالفصل في تلك الدعاوي وعدم وجود مصير آمن لهن أثناء ترددهن على القضاء للفصل في دعاويهن .
 المحامي مرشد أكد أن امرأة امتنع والدها عن تزويجها لمن سبق ان تقدم لها، فلجأت إلى أمين شرعي حيث  قام هذا الأخير  بتحرير عقد زواج لها من خلال إرشاد البنت بتوكيل أحد الحاضرين ومن ثم تحرير عقد الزواج للراغب بها من قبل وكيل الفتاة .

قانون الأحوال الشخصية اليمني تناول موضوع الولاية بشكل مبهم وغير محدد مستندًا إلى تشريعات دينية، وإجماع أغلب المذاهب في اليمن على عدم إجازة زواج المرأة بدون ولي أمرها وإن كانت ثيبًا، ومهما بلغت درجة وعيها، ومهما حققت من منجزات.

وبعد أن عرفت البنت وخطيبها بأن عقد الزواج المذكور المحرر لهما من قبل الأمين الشرعي باطل وفقا للقانون اليمني الذي يشترط وجود الولي -مع أن عقد الزواج قد حرر من قبل  أمين شرعي وبحضور شاهدين – اضطرت الفتاة  المذكورة باللجوء إلى المحكمة للمطالبة بإجازة عقد الزواج ،إلا أن والدها رفض إجازة عقد الزواج رفضا قاطعا بدون سبب منطقي وحاول استخدام كافة وسائل الترهيب والانتقام بحق ابنته،وبعد أن لمس القاضي تعسف الأب قام القاضي باعتبار الأب عاضلا ونقل الولاية للمحكمة ومن ثم تحرير عقد زواج جديد لها تصحيحا لعقد الزواج السابق الذي يرى المحامي مرشد أنه فاسد .
وهنا يعلق مرشد :

"القاضي عند إصدار حكمه لم يقرر إجازة العقد السابق وإنما قرر تزويجها بعقد جديد،وفيما لو كان الحكم القضائي قضى بإجازة العقد السابق  كان من الممكن أن  يعتبر كمرجعية تستفيد منها النساء في حالة تعرضهن لمواقف مشابهة".

 تناقضات

من جانبه، يصف الدكتور محمد المقطري، وهو محامي يمني، وأحد مؤسسي المرصد اليمني للحقوق والحريات، ومدير مؤسسة النبراس للاستشارات القانونية، بأن الزواج عقد مدني يشترط فيه الإيجاب والقبول من الطرفين إضافة إلى الشهود، ويستند في صحته على عدم الإكراه، ويعد الرضا أساس العقد استنادًا إلى القانون المدني اليمني، حيث أن "أي عقد مبني على إكراه فهو باطل".

وتقع الإشكالية، بحسب المقطري، في تناقض القانون المدني مع قانون الأحوال الشخصية، وتحديدًا في المادة 16، حيث أن الولاية فيه تحولت إلى نوع من أنواع الاستعباد الذي يمنح الرجل الحق في التدخل بأدق تفاصيل حياة المرأة الشخصية، وبشكل مهين لها، موضحًا: "تعيش المرأة كوصية على ولدها حتى سن الـ 15 من عمره، وعندما يكبر سنة واحدة تنقلب الأدوار، ويصبح ولي أمرها بحسب القانون، ويحق له التحكم في قرارات مصيرية في حياتها".

"لم يوجد معيار للتشريع في فترة ما بعد قيام الوحدة اليمنية، حيث شرعت بعض المواد من مذاهب معينه، وبعضها أخذت من الإجماع"

ويضيف: "يكمن التناقض أيضًا بين الأعراف والقانون بشأن أولاد العم الذين لا يعدون بحسب الشرع والعرف محارم للمرأة، ولكن القانون يمنحهم الولاية الكاملة عليها في مسألة الزواج، والتدخل في شؤونها الخاصة"، ويكمل: "يمنح القانون الولي أيضًا الحق في الوكالة عنها وعنه في نفس الوقت بحسب المادة 20، حيث يحق له أن يتولى الوكالة عن الطرفين، وهذا ما يعد بطريقة غير مباشرة إنهاء لشرط الرضا وجعل المرأة مسلوبة القرار، حيث يحق له تزويجها لنفسه، ويعتبر عقدًا نافذًا بحسب القانون".

وينوه المقطري إلى أن المادة 16 تشتمل أيضًا على مشكلة معقدة أخرى تتعلق بمسألة ترتيب الولاية على أساس صلة القربى، فمن الممكن وجود أكثر من ولي شرعي لها، ويقوم كل منهم بتزويجها بشكل قانوني، ويعتبر المعيار الأساسي لإجازة العقد هو الأسبقية ومن ثم القبول، "فقد تجد الفتاة نفسها متزوجة بأكثر من رجل في نفس الوقت، وتضطر في أفضل الأحوال للاختيار والقبول بأحدهم لإنفاذ عقد الزواج، وإلا فلا يكون أمامها إلا اللجوء إلى القضاء لرفع دعوى عضل ولي الأمر، وإثبات بطلان هذا العقد"، مؤكدًا أن القانون أوجد عوائق أمام المرأة في قضية إثبات عضل الولي، وهذا "ما لا يمكن أن يرقى إلى اعتباره حلًا لمثل هذه المعضلة الفظيعة".

 

الحل من وجهة نظر قانونية

يكمن الحل برأي المقطري في العمل على تعديل القوانين بما يتفق مع استقلالية وحرية المرأة، وأن تكون مواءمة مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بشكل عام، والاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة بشكل خاص كاتفاقية "سيداو"، مشيرًا إلى أنه ينبغي بدرجة أساسية إشراك المرأة في عمليات اتخاذ القرار، ومنحها الحق الكامل في تحديد مصيرها ومستقبلها مع مراعاة الوضع ومستوى تعليمها ووعيها ومركزها الاجتماعي، بما ينعكس على دورها في المجتمع ومكانتها ومنجزاتها.

ويضيف: "من المفارقات الغريبة أن تكون المرأة قاضية أو وزيرة أو سفيرة أو رئيسة جامعة، ويترك مصيرها في مسألة الزواج لأبنائها وأحفادها، ما يمثل امتهانًا لأهليتها ومكانتها وانتهاكًا صارخًا لحقها. يجب على المشرع إيجاد حلول عملية وجادة بما يحقق الإنصاف للمرأة".

 

 

"شرّعت بانتقائية"

يختتم المقطري حديثة لـ "هودج" بالقول: "في فترة ما قبل الستينات كان مذهب أهل الشمال هو الزيدي بشكل أساسي، ومنذ مطلع الستينات حتى العام 1972م، وكي لا يحصل تضارب في مسائل قانونية عديدة، جرى تقنين القوانين بما يتفق مع إجماع أغلب المذاهب الإسلامية المعمول بها"، مؤكدًا أنه لم يوجد معيار للتشريع في فترة ما بعد قيام الوحدة اليمنية، حيث شرعت بعض المواد من مذاهب معينه، وبعضها أخذت من الإجماع، أي أنها حد وصفه "شرّعت بانتقائية".

وفيما يخص قانون الولاية، فقد أخذ المشرع فيه الرأي المُجمع عليه من أغلب المذاهب المعمول بها في اليمن ما عدا المذهب الحنفي الذي ينص على أن "للمرأة البالغة حقَّ تزويج نفسها، ويعدُّ زواجها صحيحًا إذا تزوجت مِن كفءٍ بمهرِ مثلِه"، أي أنه يجيز للمرأة تزويج نفسها دون ولي، كما هو الحال في بلدان عربية أخرى كمصر والأردن.