طارق الظليمي

 

فضّلت عفاف سعيد قبل نحوِ خمس سنواتٍ وضع مولودها البكر في المنزل بفعل الظروف الاقتصادية المُزرية التي تعاني منها أسرتها وتكاليف المستشفيات الباهظة، ما عرضها لخطر تعسر ولادتها في بلدٍ يموتُ فيه أم واحدة وستَّة مواليد كُل ساعتين بسبب مُضاعفات الحملِ أو الولادة، وفق دراسة أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في يونيو 2019م.

وتؤكد الدراسة ارتفاع الولادات المنزلية في اليمن نظرًا لازدياد فقر الأُسر كل يوم بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات، مقابل عدد متزايد منهنّ يفضلنّ إنجاب أطفالهنّ بالمنزل، ويبحثنّ فقط عن الرعاية الطبية إذا تعرضنّ لمُضاعفات.

 

اثنا عشر ساعة

تقُول عفاف،  27عامًّا، وهذا اسمُها المُسْتعار، إنَّ أسرتها لم تكُن لديها القدرة على تحمُّلِ تكاليف المستشفيات، بينما أمّنت لها قابلة للمنزل عندما بدأت أعراض ولادتها التي استمرت أَكثر من 12 ساعة، مُؤكّدَة أَن القابلة أعطتها أَدوية وريدية تساعدها على إطلاق جنينها الأول.

"تتعرض الأم للنزيف وانفجار الرَّحم والنواسير الولادية، والطِّفل للوفاة أو ضُمور بالدِّماغ، ومشاكل أخرى تُصاحبهما مع الوقت كنقص الأكسجين؛ نتيجة تعسر الولادة"

وتُشير إلى أَنَّ جُهُود القابلة فشلت عندما شعرت بإجهاد شديد وتعب أفقدها السيطرة على جسمها حتى أغمى عليها، ما دفع عائلتها إلى إسعافها للمشفى لتدخُل على الفور غرفة العمليات من أجل إجراء عمليَّةٍ قيصريَّة لها.

تضيف لـ"هودج": "لم أكن أعلم أنَّ طفلي كبير، وأَنّي أحتاج إلى تدخل طبي لوضعه لأنَّنِي لم أتابع الطبيبة خلال فترةٍ الحمل، حتى أصبت بالباسُور بعد أسبوعٍ من الولادة، والسبب أن زوجي وضعه المادي لا يتحمَّل المستشفيات والحصول على الاستشارة الطبية المُستمرة".

 

معاناة متواصلة

وأُجبرت عائدة محمد، 20 عامًّا، وهذا أيضًا اسمُها المستعار، على تحمُّل ألم الولادة لساعات طويلة بمُساعدة جيرانها وزوجها لوضع مولودها الثَّالث، لكنَّها أصيبت بهبُوط شديد أثناء الاحتضار أسعفت على أثره مرَّتين للمستشفى.

تقُول "عائدة" إنَّ الولادة في المنزل أفضل لأنَّ المستشفى تكاليفه غالية جدًّا، وزوجُها يعملُ في بيع الآيسكريم، ويكاد دخله في اليوم الواحد الذي لا يتجاوزُ الـ 1500 ريال، أي ما يُعادل ثلاثة دولار ونصف، أن يكفي تكاليف الإيجار والغذاء لزوجته وأَولاده الثلاثة.

"ما لا يقل عن أربعٍ حالاتٍ يوميًّا تصل من المناطق النَّائية (الريفية) إلى مستشفيات العاصمة اليمنيّة صنعاء يعانينّ من مشاكل المُضاعفات"

وتُؤكِّد لـ"هودج" أَنَّ تعبًا شديدًا وإرهاقًا وهبُوطًا حادًا ونقصًا بالدَّم استمر لأيَّام عديدة ما بعد الوضع، لكنها اعتمدت على جيرانها في التغذية والاهتمام، حيث لا يزال سُوء التغذية مُلازمها وأَولادها بعد قرابة سنتين من الولادة.

 

إجراءات ولادة آمنة

وتتعرض الأم للنزيف وانفجار الرَّحم والنواسير الولادية، والطِّفل للوفاة أو ضُمور بالدِّماغ، ومشاكل أخرى تُصاحبهما مع الوقت كنقص الأكسجين؛ نتيجة تعسر الولادة وبقاء الأم وقتًا طويلًا في عملية الولادة التقليدية بالمنزل، وفق أخصائية النِّساء والتَّوليد، مها العبسي.

وتقُول "العبسي" إنَّ من الإجراءات السَّليمة للولادة الطبيعيَّة هو المتابعة الشَّهرية من بداية الحمل للتعرُّف على المشاكل التي تحصُل في تلك المرحلة، كقياس مُستمر لضغط الدَّم والسُّكر، حتى الشهر التَّاسع، قبل تحديد مكان مُناسب للولادة.

وتضيف لـ"هودج" أنَّ ما لا يقل عن أربعٍ حالاتٍ يوميًّا تصل من المناطق النَّائية (الريفية) إلى مستشفيات العاصمة اليمنيّة صنعاء يعانينّ من مشاكل المُضاعفات، "فقد تكُون بالمراحل الأخيرة لنزيف حاد فنجبر على استئصال الرَّحم، وقد تكون في البداية فتحتاج لتبرُّعات دم"، بينما تقدِر من بين عشر نساء يصبنّ ثلاث منهنّ بالمُضاعفات.

 

حياة مفقودة

وتُشير الأخصائية إلى أَنَّها استقبلت قبل شهرين أثناء مناوبتها في إحدى المشافي المتخصصة حالة شبَّه مُنتهية، بعد انفجارِ رحمها وانتشار السَّوائل في بطنها وتعرضها لنزيف داخلي، في حين تؤكد أنها دخلت العناية المركزة وعملت على نقلِ دم لها، قبل فتح بطنها لاستئصال الرَّحم، لكنَّها لم تتمكن من إنقاذ حياتها.

"بلغ إجمالي النساء المستفيدات من الصحة الإنجابية في عام 2021م أكثر من مليون ونصف المليون امرأة، منهنّ 25 ألف امرأة أجريت لهنّ عمليات توليد قيصرية"

وتوافق طبيبة النِّساء والتَّوليد، ابتسام أبو الرّجال، رأي مها على أَنَّ السَّبب الرَّئيسي في ارتفاع حالات التعسُّر الولادي يعود إلى عدم الوعي بخطورة وضع المواليد في المنزل، والابتعادِ عن المُتابعة الشهريّة للطبيب المتخصص للاطمئنان على حالة الحمل، وتوكَّد في نفسِ الوقت أن تكاليف المستشفيات الحكومية لا تتجاوز عشرِين ألف ريال للولادة وخمسين ألف ريال أثناء مُتَابعة الحمل.

وتقُول "أبو الرجال" لـ"هودج" إنَّها تناوب يومًا واحدة في الأسبوع بمستشفى السبعين الحكومي، جنوب العاصمة صنعاء، تسْتقبل من ثلاثٍ إلى ست حالاتٍ حاولنّ الولادة المنزلية، منهنَّ أَربع يتجاوزنّ مرحلة الخطر، وحالتان بأقل تقدير يتعرضنّ للمخاطر كخرُوج الطِّفل ميِّتًا أَو نزيف لها أو تمُوت والجنين بداخلها أَو جلطة وريدية.

 

تحديات وخدمات

ويوفر صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن الرعاية الصحية الإنجابية للنساء الحوامل كخدمات الفحص والاستشارة ومتابعة الحالة والعلاج، بما في ذلك التوليد المجاني سواءً بشكل طبيعي أو عبر عمليات قيصرية، لكن وجود قابلات صحيات متخصصات ومدربات أثناء عمليات الولادة يقلص من التداعيات والمخاطر المحتملة، وفق تصريح للصندوق الأممي.

ويقول الصندوق في تصريح لـ"هودج" إنَّ الحكومة اليمنية ليس لديها القدرة المالية على تحمل مسؤولياتها، لذلك يجد صندوق الأمم المتحدة نفسه حاملًا لعبء كبير في دعم هذه الخدمات، على الرغم من وجود عدد من الشركاء يقدمون الرعاية للنساء الحوامل.

 

أرقام إيجابية وقاتمة

ويقدر الصندوق وجود ستًا مليون امرأة وفتاة بحاجة إلى خدمات الصحة الإنجابية، غالبية هؤلاء لا يستطعنّ تحمل التكاليف، منهنّ خمس مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب، بينهنّ 1.2 مليون امرأة حامل ومرضعة يعانينّ من سوء التغذية الحاد، في حين لا تقدم سوى 20% من المرافق الصحية العاملة حاليًا خدمات صحة الأم والطفل.

"تُوفيت 435 امرأة أثناء الولادة، من أصل 38 ألف ولادة منزلية و268 ألف ولادةٍ في المراكز الصحية، مُقابل وفاة سبعة آلاف وليد العام الماضي في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين"

ويؤكد أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه هو انخفاض التمويل والتزايد المستمر للاحتياجات، فضلًا عن العقبات التي تفرضها بيئة النزاع والقيود، كما يجد صعوبة في الحصول على الصحيين والوصول السهل إلى بعض المناطق النائية والقريبة من الخطوط الأمامية للصراع.

وبلغ إجمالي النساء المستفيدات من الصحة الإنجابية في عام 2021م أكثر من مليون ونصف المليون امرأة، منهنّ 25 ألف امرأة أجريت لهنّ عمليات توليد قيصرية عبر 127 مرفقًا صحيًا و12 فريقًا متنقلًا لتقديم الخدمات الصحة الإنجابية، بما فيها المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها، حد قول الصندوق الأممي.

 

وفيات أثناء الولادة

وتُوفيت 435 امرأة أثناء الولادة، من أصل 38 ألف ولادة منزلية و268 ألف ولادةٍ في المراكز الصحية، مُقابل وفاة سبعة آلاف وليد خلال العام الماضي في المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين، وفق مديرة صحة الأمّ والوليد في وزارة الصحة بصنعاء، زينب البدوي.

وتضيف "البدوي" أَنَّ الوزارة خلال الثلاث السنوات الماضية عكفت من أجل تقديم جميع المراكز الصحية خدمات الولادة، مستغلة كافة الموارد المتاحة لتفعيل خدمات رعاية الحوامل التي كانت مُهملةً بالسابق، مُشيرة إلى أَنَّ نسبة الولادة في المرافق الصحيّة انخفضت إلى37 % في العام الماضي مُقارنة 42% العام 2020م.

 وتقُول لـ"هودج" إنَّ سبب هذا الانخفاض هو انسحاب المنظَّمات الدولية المفاجئ من المرافق الصحية، وانقطاع المُرتَّبات، وأَزمة المُشتقَّات النفطية، وتدمير الحرب للمستشفيات، بينما ذهبت الوزارة إلى التركيز على تدريبٍ القابلات حتى يُقدمنّ الخدمات المنزلية في الولادة الطبيعية، ليشمل البرنامج كُل المناطق اليمنية، بما في ذلك الريفية.