كتبت/ أفراح بورجي

التحرش الأسري وجع نفسي يؤثر على الضحايا؛ ففي داخل المنازل التي يُفترض أن تكون مصدر الأمان للفتيات تصبح الركن المليء بالخوف. تتسبب هذه التجارب في اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، ما يترك آثارًا طويلة الأمد على حياة الأفراد.

حكايات من داخل المنزل

تبلغ "سهاد" (اسم مستعار) 19 عامًا، وتعاني من إعاقة ذهنية. كانت تعيش مع عائلة والدها في بيت العائلة، وسط أجواء من الطمأنينة، إلى أن بدأت التوترات بين والدها وعمها الأصغر تتزايد.

دامت الخناقات داخل المنزل لأكثر من شهر، دون أن تدرك سهاد ما يدور حولها. وفي إحدى الليالي، خرجت سهاد من غرفة والدها دون علم والدتها، متجهة إلى شقة جدها، حيث تعرضت للتحرش من أحد أفراد العائلة.

تروي والدتها ما حدث بمرارة:

"جاءت إلى ابنتي والخوف يملأ ملامحها. كانت كلماتها غير مترابطة، لكنها قالت إن عمها تقرب منها بطريقة غريبة، لم تكن تدرك أنها ضحية، بل ظنت أنه سلوك طبيعي لأن الجاني كان مقربا منها."

قدم الوالد بلاغًا رسميًا إلى الشرطة، قبل أن تغادر منزل العائلة، لتبدأ سهاد حياتها الجديدة في منزل أكثر أمانًا برفقة والديها، بعيدًا عن الخوف والتحرش.

في قصة أخرى روت فتاة تبلغ من العمر15 عامًا، كيف انقلب والدها إلى المعتدي حين كانت والدتها غائبة بسبب خلافات أسرية.

"دخل والدي إلى الغرفة في الليل، قال إنه يريد حمايتي، لكنه بدأ يلمسني بطريقة جعلني أهرب وأغلق الباب خلفي".

تعلق الأم:

"كنت أشك في نوايا والدها من قبل، لكني تركتها تلك الليلة وحدها، لن أسامح نفسي أبدًا."

أوضح الدكتور الشدادي أن الضحية تعاني في كلتا الحالتين؛ ففي حال التستر تستمر السلوكيات السلبية ويزداد التنمّر والتدهور النفسي

الصمت… خيانة مزدوجة

الأخصائية الاجتماعية رغد الجابري أكدت أن كثيرًا من الأسر تتستر على حالات التحرش بسبب الخوف من العيب والحرص على سمعة العائلة، إلا أن التستر بذلك يُعطي المعتدي حماية غير مستحقة ويشجّعه على تكرار الجريمة. وأضافت الجابري في تصريح خاص لمنصة هودج أن التستر ليس وقوفًا محايدًا، بل هو مشاركة فعلية في خذلان الضحية وتمكين الجاني. ورغم توفر الأخصائيين بأدوات قانونية ونفسية، فإن فعاليتهم تكون محدودة ما لم تكسر الأسرة حاجز الصمت وتعاون فعليًا مع الخبراء.

تهديدات مباشرة تطال صحة الأسرة

كشفت دراسة بعنوان "جدران هشة" أن العنف الأسري يمثل اختلالًا في البنية الاجتماعية للأسرة، ويكشف عن فشل قيم المجتمع والمؤسسات الأمنية والقضائية، مما يؤثر بشكل مباشر على نفوس النساء والأطفال واستقرارهم النفسي والجسدي.

أكدت الدراسة أن النساء يعانين من انعدام الأمان داخل أسرهن، ما يعرضهن لتداعيات خطيرة على نمو الأطفال والصحة العامة للأسرة.

وفي هذا الشأن، تقول الأخصائية النفسية، وفاء سعد في حديثها لمنصة هودج، إن الآثار النفسية التي يخلفها التحرش، سواء على الفتاة أو الفتى، تتمثل في القلق والاكتئاب وتدني تقدير الذات والخوف المرضي (الفوبيا) من جميع الأشخاص المحيطين بهم.

يقترح الطبيب صخر الشدادي مجموعة من التدابير الفعّالة لمعالجة ظاهرة التحرش الأسري، مؤكّدًا أن وجود أخصائيين أو مرشدين نفسيين داخل المحاكم

أما فيما يتعلق بالنمط النفسي للضحية، يوضح الطبيب النفسي صخر الشدادي أن "ليس هناك نمط نفسي ثابت للضحية، لكن ما يدفعها للصمت غالبًا هو الصدمة النفسية الناتجة عن كون المعتدي من الدرجة الأولى (أحد أفراد الأسرة المقربين)، وهو أمر يصعب تصديقه أو تحليله سلوكيًا بسهولة."

ويضيف الشدادي: "في بعض الحالات يكون الضحية في سن مبكر، فلا يدرك طبيعة السلوك الذي تعرض له، أو قد يكون في بداية مرحلة الشباب فيخشى من الوصمة الاجتماعية أكثر من الفعل ذاته، مما يجعله تحت رحمة المعتدي".

التبرير يخلق الجناة

توضح الأخصائية النفسية وفاء أن التحرش الأسري لا يمر دون أثر، بل يصنع من الضحية مستقبلاً شخصًا عدوانيًا ومضطربًا نفسيًا يسلك طريق الانتقام، أو مغتصبًا يعيد إنتاج الألم الذي عاشه وهو طفل، أو فردًا هش الشخصية، يستمر في الوقوع ضحية للرذيلة.

وتؤكد أن صمت الأسرة تجاه ما يتعرض له أبناؤها يعد سلاحًا قاتلًا للإنسانية، لأنه ينتج شخصية مضطربة نفسيًا، تعيش تبعات الجريمة بصمت طويل الأمد.

ومن جهته، أوضح الدكتور الشدادي أن الضحية تعاني في كلتا الحالتين؛ ففي حال التستر تستمر السلوكيات السلبية ويزداد التنمّر والتدهور النفسي، أما في حال الإفصاح، فغالبًا ما يواجه الضحية وصمة عار ونفورًا اجتماعيًا وتنمّرًا من البيئة المحيطة، مما يزيد من عزلته وألمه.

كيف نواجه الخطر؟

يقترح الطبيب صخر الشدادي مجموعة من التدابير الفعّالة لمعالجة ظاهرة التحرش الأسري، مؤكّدًا أن وجود أخصائيين أو مرشدين نفسيين داخل المحاكم، لا سيما في القضايا المدنية المتعلقة بالمشاكل الزوجية، يُعدّ ضرورة ملحة. ويرى أن المشاركة الإعلامية بالتوعية تلعب دورًا جوهريًا في نشر الوعي بمثل هذه القضايا. كما دعا إلى تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني من خلال شراكات مع المختصين لتقديم الدعم والإرشاد النفسي، مع تحذيره من اللجوء إلى الأدوية النفسية إلا في الحالات الطارئة، داعيًا إلى إحالة الحالات إلى جهات متخصصة في هذا المجال.