ريم الفضلي

 

لم يكون حلم نهى الحيدري، 29 عامًا، كغيرها من اللاعبات الرياضيات في مدينة عدن، سوى المشاركة وخوض تجربة التنافس في إطار تنظيمي لبطولة تخص النساء، وتكفل حقهنّ في الاستمرار بممارسة الرياضة.

تنتمي نهى إلى أسرة رياضية؛ فوالدها المدرب عادل الحيدري الذي تشهد الملاعب بإنجازاته، ووالدتها أستاذة في التربية البدنية لإحدى مدارس عدن، وقد كانا سبيلًا لدخولها المجال الرياضي، تقول: "الرياضة بالنسبة لي جزء مهم من حياتي، ومنذ نعومة أظفاري وهي لي هدف عظيم وسامي".

تضيف لـ "هودج": "كُنت المشاركة الوحيدة في صغري بعرض لرياضة التايكوندو في إحدى مدارس عدن، بعدها ضمني أبي إلى صفوف تدريبية للفتيات في رياضة تنس الطاولة عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي، ومن هنا بدأ مشواري".

"تدربنا على مدى أسبوعين، وقابلت فتيات كثيرات لم أرهن منذ سنوات"

لم تكن الرياضة النسوية في عدن وليدة اللحظة؛ فقد جاء في كتاب "تاريخ أندية عدن الرياضية.. نشـأتها وتاريخها المعاصر" لمؤلفه: أحمد محسن أحمد، أن الفرق النسوية ظهرت في الأندية المختلفة عام 1970م؛ حيث كانت البداية للفريق الوطني النسوي لكرة الطائرة، والذي شارك في بطولة آسيا لكرة الطاولة في جمهورية الصين الشعبية عام 1971م.

وبعدها بعامين، شاركت نساء من جنوب اليمن في بطولة القارات الثلاث لكرة الطاولة في الصين أيضًا، وحصلت إحدى اللاعبات اليمنيات على الميدالية البرونزية لبطولة الشطرنج الدولية في ليبيا عام 1975م، "إلى جانب نساء عديدات كتبت أسمائهنّ بحروف من ذهب في مختلف المحافل الرياضية الدولية"، حد قول الإعلامية في الشؤون الرياضية، دنيا حسين فرحان. 

عودة الزمن الجميل

بعد أن شهدت العقود الأخيرة تجميد لكافة أنشطة الرياضة النسوية، عادت، أخيرًا، مع مطلع العام 2022م، بأول بطولة نسوية منذ عام 1982م، تمثلت بانعقاد البطولة المفتوحة للفتيات والسيدات في لعبة تنس الطاولة، والتي نظمها اتحاد فرع اللعبة بعدن، وبإشراف مكتب الشباب والرياضة - عدن.

أقيمت البطولة في الصالة الرياضية المغلقة "الشهيد علي أسعد مثنى" بمدينة الشيخ عثمان، في الفترة بين 10 -12  من يناير الحالي، واشتركت في البطولة لاعبات يمثلنّ أندية: الميناء، والتلال، والشعلة، والنصر، ومركز خديجة بنت خويلد (المنصورة)، ومركز الفقيدة نور حيدرة (الشيخ عثمان)، بالإضافة إلى مشاركة لاعبتين من محافظة لحج، فئتي الفتيات دون 17 عامًا، والسيدات فوق 18 عامًا.

"أسعى، مع العديد ممن يهمهم الأمر، إلى إعداد منتخب وطني يمثل اليمن في المنافسات الدولية الخارجية"

تقول نهى، المشاركة في البطولة عن نادي الميناء، إنّها، بعد انقطاع13  عامًا، تلقت دعوة من مدربتها للمشاركة وخوض تجربة جديدة في مسارها الرياضي، وتتابع: "تدربنا على مدى أسبوعين، وقابلت فتيات كثيرات لم أرهن منذ سنوات. فرحتي لا توصف برجوعي لممارسة رياضة تنس الطاولة، واهتمامي بالعودة إليها أكثر من اهتمامي بالفوز والحصول على لقب، ما يهمني هو استعادة نشاطي والاستمتاع بكل لحظة".

وتضيف: "كانت تجربة أكثر من رائعة. أتمنى أن تستمر مثل هذه الفعاليات، وأن يكون هناك عمل جاد لخلق بيئة مناسبة للاعبات، وأن يتم تأهيلهنّ، وتكوين فريق رسمي يمثل البلاد في البطولات الخارجية".

مشروع وطني

يعتبر لطفي شماخ، أحد المدربين المشاركين في البطولة، الاستثمار في هذه المواهب مشروعًا وطنيًا وحيويًا، "أسعى، مع العديد ممن يهمهم الأمر، إلى إعداد منتخب وطني يمثل اليمن في المنافسات الدولية الخارجية".

ويقول شماخ لـ "هودج": "التغيرات التي مرت بها عدن الحبيبة كثيرة، أهمها التعقيدات الفكرية لمزاولة العنصر النسائي للرياضة في عدن والبلاد كافة، ولكنّ أملنا بالله كبير، وجهود بعض الشخصيات جيدة، ومنهم رئيس اتحاد عدن لتنس الطاولة، محمد السقاف. وعلى الرغم من نجاح البطولة، إلا أن وجود صالة واحدة تقام فيها كافة الألعاب الرياضية شكل عائقًا كبيرًا أمامنا، لكنّ كل هذه العقبات لا تذكر أمام إنعاش لعبة كادت أن تنسى".

ولتسليط الضوء على واقع ومستقبل الرياضة النسوية في المدينة، تقول وكيلة وزارة الشباب والرياضة لقطاع المرأة، نادية الأخرم، إن الوزارة بشكل عام، وقطاع المرأة بشكل خاص "تحاول جاهدة إعادة تفعيل الرياضة النسوية، ودعم وتشجيع كل اتحاد يعمل في ذات الاتجاه"، داعية بقية الاتحادات إلى العمل، معًا؛ لإعادة تفعيل الرياضة النسوية.

تجاوب إيجابي

وعلى الرغم من اعتبار الرياضة النسوية من المواضيع الشائكة، وأكثرها حساسية بين فئات المجتمع اليمني؛ لما تثيره من نقاشات وجدل يتراوح بين رفض مطلق؛ بسبب القيود والتقاليد والأعراف التي يفرضها المجتمع الشرقي عمومًا، واليمني خصوصًا، وتجاهل تام من قبل المؤسسات الرسمية، إلا أن هناك شريحة واسعة تجاوبت مع الحدث بشكل إيجابي.

"تستطيع المرأة اليمنية، كباقي النساء في الدول الأخرى، أن تمارس الرياضة وهي محافظة على عاداتها وتقاليدها وهويتها التي تنتمي إليها"

تقول الصحفية والناشطة عهد ياسين إن هذا الحدث شكل لها سعادة وأملًا بعودة الرياضة النسوية، وبشكل كبير، "بالذات في الأندية؛ لأنها توقفت منذ زمن طويل".

وعن دور هكذا فعاليات في تعزيز مكانة المرأة في الأوساط المجتمعية، تقول ياسين: "هذه الأنشطة تعزز دور المرأة في الجانب الرياضي، ومن خلال مشاركتها فيها، تستطيع أن تمارس كافة حقوقها الأخرى".

وفي حديثها لـ "هودج"، تمنت ياسين "إقامة المزيد من البطولات، وأن تفعل الرياضة النسوية بشكل أكبر، ويكون هناك اهتمام بهذا المجال، وعمل فرق نسائية في كل الرياضات بإمكانها المشاركة محليًا ودوليًا".

مدعومًا مجتمعيًا

ويعتبر الأخصائي الاجتماعي أمين المنصوري "عودة المرأة للمجال الرياضي حالة نسبية لا بأس بها في تقدم المرأة اليمنية. تستطيع المرأة اليمنية، كباقي النساء في الدول الأخرى، أن تمارس الرياضة وهي محافظة على عاداتها وتقاليدها وهويتها التي تنتمي إليها"، داعيًا وسائل الإعلام لدعم وترسيخ مثل هكذا حقوق، ومحاولة التأثير بشكل إيجابي حول أحقية المرأة في ممارسة الرياضة.

ويؤكد المنصوري لـ "هودج" أنّه لا بد من "تمكين مهنة الخدمة الاجتماعية، ودور الأخصائيين الاجتماعيين في تدعيم ممارسة النساء اليمنيات لحقوقهنّ في كل مجالات الحياة؛ حتى يعملنّ على استقطاب المواهب وتنميتها واكسابها المهارة بطرق علمية، مع مراعاة الثقافة والعادات والتقاليد؛ وهذا بدوره سيجعل من عملهنّ مقبولًا ومدعومًا مجتمعيًا".