شرف الصوفي

 

حتى ما قبل العام 2015م، كانت قلة من النساء يقبلنّ على ممارسة الأعمال الحرة وإنشاء المشاريع الصغيرة في اليمن، لكن الواقع تغير الآن.

تسببت حالة الحرب، منذُ مارس / آذار 2015م، في توقف مرتبات موظفي القطاع العام، وتراجع فرص العمل؛ ما أدى لحرمان كثير من الأسر من مصادر دخلها، وتعريضها بالنتيجة لصعوبات الحياة المعيشية؛ الأمر الذي دفع بالنساء للخروج إلى سوق العمل، وإيجاد بدائل إضافية للتخفيف من الأزمة المعيشية الحاصلة.

البداية من المنزل

منذ 5 أعوام، تدير فاطمة الصلوي مشروعها الصغير الذي عملت على إنشائه عقب توقف مرتبها الوظيفي؛ حيث باعت ما لديها من حلي ومجوهرات، وأسست محلًا صغيرًا في منطقة سعوان بالعاصمة صنعاء، كما تقول.  

توضح فاطمة: "بدأت عملي من المنزل بشراء بعض أنواع الحبوب المحلية من السوق، واستخدامها في إعداد بعض المخبوزات، وبيعها للجيران، ثم تطور الأمر قليلًا، فأضفت أطعمة أخرى، وبدت الأمور مبشرة بإمكانية توسعة هذا العمل، فاتجهت لفتح مخبزي الخاص".

"تعمل في المخبز 10 عاملات بدوام يومي كامل، ويدير المخبز كادر نسائي تمامًا؛ ما يحفظ الخصوصية، ويتيح بيئة عمل مريحة"

وجد منتج فاطمة رواجًا جيدًا بداية الأمر، لكنّ الأمور تراجعت لاحقًا بسبب انتشار المخابز المشابهة في صنعاء منذ العام 2016م؛ "حيث أسست نساء كثيرات مخابزهنّ الخاصة خلال تلك الفترة"، وترجع فاطمة سبب ذلك إلى كون العمل في المخبز البلدي لا يتطلب مهارات كثيرة من النساء؛ فمعضهنّ يعملنّ على إعداد الخبز البلدي في بيوتهنّ، وكل ما في الأمر هو زيادة الإنتاج.

للنساء فقط

غادة علي، هي الأخرى، افتتحت مشروعها الخاص بداية العام 2017م في الحي السياسي وسط العاصمة صنعاء، وقامت باستقطاب بعض النساء الفقيرات للعمل في المشروع.

تقول غادة إنها كانت تمتلك مبلغًا لا بأس به من المال، فقررت استثماره في مخبز يوفر لها ريعًا معقولًا، و فرص عمل لنساء يعلنّ أسرًا معدمة.

لماذا الخبز البلدي؟

توضح غادة: "نحن نستخدم الحبوب المحلية، وهذا يضمن استمرار العمل؛ كونها منتج محلي لن يتوقف بسبب الحرب، بل على العكس، فقد تسببت الحرب في إعادة الناس إلى زراعة المحاصيل أكثر من قبل".

وتضيف: "ننتج مختلف أنواع الخبز المحلي؛ حتى يجد الزبائن أذواقهم المختلفة في مكان واحد".

تنتمي غادة إلى أسرة متوسطة الحال، ويقتصر مهامها على الإشراف، كما تقول سمية، وهي إحدى العاملات في المخبز، "تعمل في المخبز 10 عاملات بدوام يومي كامل من الصباح وحتى الغروب، ويدير المخبز كادر نسائي تمامًا؛ ما يحفظ الخصوصية، ويتيح بيئة عمل مريحة، أما المالكة فتكتفي بالإشراف على العاملات".

"نقابة المخابز والمطاعم ترفض إدراجنا ضمن عضويتها لتسهيل عملية الحصول على أنابيب الغاز من قبل الجهات المختصة بشكل شبه منتظم"

تنتج هذه المخابز النسائية أنواعًا من الخبز البلدي والكيك بأشكال وأنواع وأحجام مختلفة، باستخدام حبوب الذرة الحمراء والبيضاء والشامية والدُّخن والسمسم، وجميعها محاصيل محلية، وتباع كميات كبيرة من هذه المنتجات يوميًا، وبأسعار مناسبة مقارنة بخبز القمح والدقيق، تقول غادة، وتضيف: "الحبوب المنوعة صحية أكثر، كما أنها تساهم في تنمية الإنتاج الزراعي في البلد".

صعوبات

في المقابل، يواجه هذا النوع من المشاريع تحديات أبرزها صعوبة الحصول على مادة الغاز بشكل منتظم، تقول فاطمة: "نلجأ في معظم الأحيان إلى شراء مادة الغاز من السوق السوداء بأسعار باهظة"، وتؤكد غادة أن "نقابة المخابز والمطاعم ترفض إدراجنا ضمن عضويتها لتسهيل عملية الحصول على أنابيب الغاز من قبل الجهات المختصة بشكل شبه منتظم".

عدم ثبات أسعار الحبوب يشكل تحد آخر أمام هذه المخابز؛ حيث وصل سعر كيس الحبوب فئة الخمسين كيلوجرام إلى حوالي 20 ألف ريال، بعد أن كان لا يتجاوز الـ 9 آلاف ريال، بحسب بائعي الحبوب.

يقول أنور العنسي - تاجر حبوب: "أسعار الحبوب هذه الأيام مرتفعة في السوق؛ لأنها مرتبطة بموسم الحصاد الذي يقل السعر فيه، ويرتفع بمرور الوقت".

"ارتفاع الطلب على الحبوب شجع المزارعين على استصلاح بعض الأراضي، ومعاودة إنتاج الحبوب لمواكبة احتياجات السوق"

استهلاك الحبوب من قبل المخابز أوجد سوقًا احتكارية موازية، بحسب العنسي، موضحًا" هناك كثير من المزارعين يقومون بشراء الحبوب من السوق فترة الحصاد بأسعار رخيصة، ثم يخزنونها حتى الشتاء ليبيعوها بأسعار عالية".  

من جانبه، يعزو المزارع حمود محمد ارتفاع أسعار الحبوب إلى "اعتماد كثير من المزارعين على موسم الأمطار؛ ما يفتح الباب أمام التجار لاحتكارها وبيعها بسعر أعلى خارج الموسم"، مشيرًا إلى أن "توفير الدعم للمزارعين، وخاصة في توفير مادة الديزل، يمكن أن يساهم في استمرارية الإنتاج وانتظام السعر".

ارتفاع أسعار الحبوب ساهم، بحسب غادة، في "تقليل جودة المنتج بسبب اضطرار المخابز لخلط الحبوب بمادة الدقيق المستورد؛ ما يفقد الخبز مذاقه الحقيقي".

فرصة مهمة

الصحفي والباحث الاقتصادي، نبيل الشرعبي، يصف هذه المشاريع الصغيرة بأنها "فرصة مهمة لتنشيط زراعة محاصيل الحبوب التي كادت تندثر في اليمن"، موضحًا: "ارتفاع الطلب على الحبوب شجع المزارعين على استصلاح بعض الأراضي، ومعاودة إنتاج الحبوب لمواكبة احتياجات السوق، وهذا الأمر انعكس إيجابًا على المزارعين من خلال توفير دخل جيد لهم جراء بيع المحاصيل".

ويعتبر رئيس قسم الاجتماع في جامعة صنعاء، كامل الرشاحي، انتشار هذا النوع وغيره من المشاريع النسوية الصغيرة بهذا الشكل الملحوظ "مؤشرًا على حدوث تغيير في نظرة المجتمع لعمل المرأة العاملة؛ والسبب هو الوضع الاقتصادي المنهار الذي أجبر كثير من النساء على الخروج إلى سوق العمل، وساعد في تقبل المجتمع لنظرية الضرورات تبيح المحظورات، وهذا نتاج طبيعي إزاء ما يمر به البلد من وضع اقتصادي صعب".