بيان عمر

تضم كليات الإعلام في اليمن عددًا كبيرًا من الطالبات اللواتي تتزايد أعدادهنّ كل عام، بالتزامن مع موجة النشاط الإعلامي المرافقة للأحداث الجارية بمختلف تنوعاتها في البلاد.

وتخرجت من قسم الإعلام بجامعة تعز، العام 2021م، ثلاثون طالبة، حسب مندوب الدفعة شهاب عفيف، فيما أفادت تسنيم المحمدي، مندوبة دفعة طلاب الإعلام للعام الماضي 2020م، أن إجمالي الطالبات المتخرجات بلغ 22 طالبة.

ومع اتساع رقعة سوق العمل متنوع الاحتياج في الجانب الإعلامي، بدأت أسماء إعلامية نسائية تسجيل حضورها بقوة في اليمن؛ ما يشير بشكل ما إلى وجود مساحة من التسامح والقبول لعمل النساء في هذا المجال الذي ظل لوقت طويل حكرًا على الرجال، خاصة في المحافظات الشمالية.

غير أن المفاجئة غير السارة أن توجه القبول والتسامح المشار إليه لا يعدو عن كونه مساحة ضيقة في دائرة المجتمع الواسعة 

إذن للعمل

الكثير من خريجات الإعلام في اليمن حصلنّ على موافقة الأهل لدراسة هذا المجال، لكنهنّ لم يحصلنّ على إذن العمل فيه.

البعض منهنّ توجهنّ مرة أخرى صوب الجامعة لدراسة تخصص آخر، وأخريات توجهنّ إلى مراكز التدريب لاكتساب مهارات في مجالات أخرى غير تخصصهنّ الأول (الإعلام).

تقول سمر، إحدى المتخرجات من قسم الإعلام بجامعة تعز، إنّها على الرغم من جهودها وتميزها في دراسة الإعلام، وحضور العديد من الدورات التأهيلية التي تنظمها بعض المؤسسات الفاعلة في هذا الحقل، وحصولها على أكثر من فرصة، لم تتمكن من العمل فيه؛ حيث أنّ ممانعة الأهل حالت دون تحقيق ذلك، كما تقول.

تجنبًا للصدمة

(ز.م) هي إحدى خريجات الإعلام، وقد طلبت ترميز اسمها بدلًا من الإشارة إليه بشكل واضح؛ كي تتمكن، كما تقول، من حكاية قصتها بحرية أكبر.

تقول: "كنت أرى المذيعات على شاشات التلفزيون، وأطمح أن أكون مذيعة متألقة؛ فأهلت نفسي للوصول إلى ذلك المكان، لينتهي بي الأمر صحفية من المنزل وفقًا لرغبة أسرتي الرافضة للعمل الميداني".

"موافقة الأهل على دراسة الفتاة في قسم الإعلام، وحرمانها بعد ذلك من العمل فيه، يعد ظلمًا صريحًا للفتاة"

وتضيف: "تكيفت مع الأمر نزولًا عند رغبة أسرتي في التواري والعمل من خلف جدران المنزل، لكنني أتساءل حول مصير الفتيات اللاتي يدرسنّ الآن في كليات الإعلام، أود أن تصلهنّ رسالتي بأن يحصلنّ منذ البداية على إجابة موثوقة من أهاليهنّ؛ تجنبًا للصدمة بعد التخرج"

وجهات نظر

الصحفية لمياء الشرعبي، وهي طالبة بقسم الإعلام - جامعة تعز، تقول: "من خلال اختلاطي بالزميلات في مستويات القسم المختلفة، وجدت أنّ أكثرهنّ يملكنّ طموحات كبيرة، لكنها سرعان ما تموت بفعل تشدد بعض الأهالي، ومنع بناتهنّ من الظهور أمام الكاميرا، أو ممارسة التصوير الميداني".

وتضيف: "عمل المرأة وظهورها أمام الكاميرا جزء من التعبير عن وجودها كإنسان، ومزاولة المهنة أمر طبيعي، لكنّ كثيرًا من المفاهيم المغلوطة المتوارثة ما تزال فاعلة بشكل مجحف".

نظرة المجتمع تلك يصفها أكاديميون بأنّها "انعكاس للعادات والأجواء التي تعيشها البلد في ظل الحرب"، ويقول الدكتور عبدالقادر السروري في حديثه  لـ"هودج": "مهنة الصحافة والإعلام للفتيات في بلدان مثل اليمن أمر بالغ الصعوبة في هذا الظرف تحديدًا".

"طبيعة المجتمع اليمني المحافظة وقيمه وعاداته لا تبرر حرمان الفتيات من ذوات التعليم والمهارات الجيدة في الجانب الإعلامي من لعب دورهنّ في المجتمع"

ويوضح السروري، وهو أخصائي الصحة النفسية والسلوك الإدماني، أنّ "الوظيفة في ظل اللادولة للإناث تعد انتحاراً"، مستدركًا: "في ظل وجود الدولة، يمكن لهؤلاء النسوة أن يخرجنّ للعمل".

الصحفي أسامة فرحان يصف من جانبه  "موافقة الأهل على دراسة الفتاة في قسم الإعلام، وحرمانها بعد ذلك من العمل فيه، يعد ظلمًا صريحًا للفتاة"، كما يلقي فرحان بعض المسؤولية على الفتيات "اللواتي يعرفنّ مسبقًا أنّ أهاليهنّ يعارضون عملهنّ الميداني في هذا المجال".

ويتفق فرحان مع فكرة العمل المحدود للمرأة في المجال الإعلامي؛ كإنتاج مواد مكتوبة من المنزل؛ لأنّ "التقاليد المجتمعية ترفض خروج المرأة للعمل الإعلامي"

اجتماعيًا

ممانعة الأهالي لمزاولة المرأة العمل، لا سيما بعد استثمارها سنوات من عمرها في التعليم وكسب المهارات، يلقي بضلاله على وضعها النفسي؛ ما جعلنا نتوجه صوب مختص نفسي اجتماعي؛ لتسليط الضوء على هذه الزاوية الهامة من التداعيات.

اجتماعيًا، يقول الدكتور جمهور الحميدي، وهو أستاذ بجامعة تعز، وباحث في مركز الإرشاد والبحوث النفسية التابع للجامعة، إنّ "حرمان الفتاة أو الفرد من ممارسة دوره في مهنة معينة يعد انتقاصًا من قدراته ومهاراته التي يفترض أن توظف؛ لأنّ عدم توظيفها يعتبر اهدارًا للطاقات البشرية من وجهة نظر علم الاجتماع".

ويوضح الحميدي في حديثه لـ "هودج" أنّ "العوائق التي تحد من مشاركة الفتاة، والقيام بدورها الفعال والإيجابي في المجتمع، تعد نوعًا من التنمر يمارس ضد المرأة، وتنتج عنه مشاعر سلبية تولد بدورها سلوكيات اضطرابية، كالشعور بالنقص، وعدم الكفاية الذاتية، والعدوانية، واهتزاز الثقة بالنفس، بالإضافة إلى شعورها بكونها غير مقبولة في المجتمع".

"حرمان الفتاة من ممارسة العمل قد يدفعها إلى الانغماس في العالم الافتراضي؛ هربًا من واقع الحياة الذي لم يعترف بكفاءتها"

ويضيف: "طبيعة المجتمع اليمني المحافظة وقيمه وعاداته لا تبرر حرمان الفتيات من ذوات التعليم والمهارات الجيدة في الجانب الإعلامي من لعب دورهنّ في المجتمع، مثلهنّ مثل زملائهنّ الرجال، والمرأة اليمنية أحوج ما تكون إلى إعلاميات يوصلنّ صوتها إلى العالم".

رأي علم النفس

يقول الحميدي أنّ "خروج المرأة للعمل أمرًا ضروريًا؛ حيث أن الفراغ يولد الكثير من المشاعر السلبية، ويعد بؤرة للاضطرابات النفسية الناتجة عن هذه المشاعر"، مشيرًا إلى أنّ دراسات أجريت على المرأة العاطلة بينت أنها "تصبح أكثر عرضة للهستيريا التحويلية، والأمراض ذات المنشأ النفسي الناتجة عن الفراغ القاتل، وعدم إتاحة الفرصة لها في المشاركة الإيجابية الفاعلة".

ويذهب أستاذ علم النفس بجامعة تعز ، الدكتور مروان العامري، إلى أن حرمان خريجة الإعلام من مزاولة العمل بعد استمرارها بشكل دؤوب في تحقيق علامات جيدة في الدراسة؛ على أمل تحقيق ما تصبو إليه، يولد أثرًا نفسيًا تظهر أعراضه من خلال مظاهر الحزن والنظرة السوداوية للمستقبل، كما يتسبب في جعل الفتاة تعيش في أحلام اليقظة بشكل أكبر؛ لتعوض ما فاتها من الواقع الذي حال دونها ودون تحقيق أهدافها".

وينبه العامري إلى أنّ "حرمان الفتاة من ممارسة العمل قد يدفعها إلى الانغماس في العالم الافتراضي، وسائل التواصل الاجتماعي؛ هربًا من واقع الحياة الذي لم يعترف بكفاءتها، والنتيجة هي فقدان ثقتها بالمحيطين بها".

وينصح العامري بضرورة أن يكون هناك "جو من الثقة بين الطالبات وأولياء الأمور، والعمل على مناقشة المخاوف التي يبديها الأهالي إزاء خروجهنّ للعمل، والبحث عن حلول مرضية تخفف من حدة المعارضة، وتشجع الفتاة على ممارسة حقها في العمل، وتحقيق أحلامها كإنسان أولًا وأخيرًا".