أبرار بجاش

على مدى سنوات طويلة، ظل نمو الصحة النفسية في اليمن بطيئًا إلى حد جعله وكأنه أقل أهمية في نظر الحكومات المتعاقبة؛ الأمر الذي أثر سلبًا خلال سنوات الحرب.

في هذا المجال، تحاول امرأة يمنية إحداث تغيير من نوع ما من خلال تقديم الدعم النفسي لمحتاجيه في ظل الحرب التي ضاعفت حجم الحاجة إلى هذا النوع من الخدمات.

ابتهال الأغبري هي امرأة خمسينية، ومتخصصة في التربية الأسرية وتقنين الإنجاب الواعي. عملت لفترة في مجال الإدارة المدرسية، واتجهت لاحقًا لإقامة الورش المقاربة للدعم النفسي وتقديم الاستشارات، تقول: "عندما وجدت أن باستطاعتي التأثير بشكل إيجابي في حياة الناس، بدأت التفكير في تطوير إمكانياتي وخوض مجال الاستشارات النفسية".

مسؤولية كبيرة

بدأت الأغبري التفكير جديًا بأهمية هذا المجال من خلال تجربة أسرية قاسية؛ عندما ظل ابنها الأكبر يعاني بعض الاعتلالات المتعلقة بالصدمة النفسية، فاجتهدت في فهم الموضوع والتعامل معه حتى تمكنت من تحويله ليس إلى شخص سوي فحسب، بل إلى قصة نجاح؛ فهو الآن رسام مبدع وطبيب ناجح، كما تقول.

"كل من يأتي إلينا لا نسجل اسمه حفاظاً على خصوصية الفرد، وهذا يجعل الزوار لدينا أكثر ثقة واطمئنان"

وتضيف: "عندما ساعدت ابني فعلت ذلك بدافع فطري، لكن هذه التجربة ساعدتني على اكتشاف شغفي في مجال الدعم النفسي، لأقوم فيما بعد بتأهيل نفسي علميًا من خلال أخذ دبلومات ودروات في هذا المجال، كما ولدي ماجستير في الصحة النفسية، وآخر في الإرشاد الأسري".

ويتطلب العمل في مجال الدعم والاستشارات النفسية التخصص والمعرفة والخبرة، وتعتبره الأغبري "مسؤولية كبيرة تتطلب الكثير من الحرص والحذر".

توعية المرأة

المرأة حجر الأساس في المجتمع؛ لما تمثله من أهمية في تنشئة الأبناء؛ ولهذا ركزت عليها الأغبري منذ البداية، "كنت أركز على توعية المرأة أكثر؛ لما لذلك من أثر هام سيعود المستقبل".

وتعمل الأغبري وشريكتها سعاد الأرحبي حاليًا في مجال توعية المرأة وتقديم الاستشارات النفسية والدعم النفسي من خلال شركتهما Scoop للاستشارات المجتمعية.

أكثر ثقة

ينظر المجتمع اليمني في الغالب نظرة قاصرة نحو الطب النفسي والذهاب إلى العيادات والمشافي النفسية، ومثلها مراكز الاستشارات والدعم النفسي، غير أنّ احترام خصوصية الزوار، كما تقول الأغبري، يساعد في تشجيع الزوار على الإقبال أكثر، تقول: "كل من يأتي إلينا لا نسجل اسمه حفاظاً على خصوصية الفرد. نحن يهمنا بدرجة أساسية تقديم الفائدة النفسية للأفراد، وهذا يجعل الزوار لدينا أكثر ثقة واطمئنان".

"حين يأتينا شخص معتل نفسيًا، ثم يصبح شغوفًا بالحياة مقبلًا عليها مرة أخرى، فإن تلك النتيجة هي ثمرة عملنا، وهو مكسب كبير لنا وللفرد والمجتمع"

وتؤكد الأغبري أن نسبة الزوار ارتفعت بشكل غير مسبوق، "حاليًا يأتينا الكثير لطلب الاستشارات. أعداد لم نكن نتوقعها"، وتقدم الشركة إلى جانب الاستشارات خدمة التدريب أيضًا.

وعلى مدى  14عامًا، عملت الأغبري في مراكز أسرية إلى جانب تقديم الاستشارات بشكل فردي، ومن ثم أنشأت هي وسعاد الأرحبي شركتهما الخاصة Scoop العام 2020م.

تحديات

واجهت الأغبري وشريكتها تحديات وعوائق كثيرة عند بدء التأسيس، وكانت معظمها مالية؛ ما اضطرهما إلى بيع مجوهرات الذهب الخاص بهما لتأمين المال اللازم لاستمرار المشروع، تقول: "تلقينا الكثير من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تراهن على أننا لن نتمكن من الاستمرار، ولكوننا أول مركز متخصص في هذا المجال، كانت الصعوبات كبيرة، وكنت وشريكتي نبيع الذهب الخاص بنا كي نستمر".

وعن ما يقدمه المركز، توضح الأغبري: "تزايد الإقبال على المركز دليل على أهمية الخدمة المقدمة. الرسائل وعبارات الشكر والتقدير والإشادة التي نتلقاها من الزوار هي مكسبنا الأكبر"، مؤكدة: "حين يأتينا شخص معتل نفسيًا، ثم يصبح شغوفًا بالحياة مقبلًا عليها مرة أخرى، فإن تلك النتيجة هي ثمرة عملنا، وهو مكسب كبير لنا وللفرد والمجتمع".

وتضيف: "صحيح أننا واجهنا صعوبات في البداية، لكننا حققنا نتائج جعلتنا نستمر، وإلا لكنا أغلقنا المركز منذ وقت مبكر لو أننا لم نقدم شيئًا ذا قيمة، خاصة وأننا في مجتمع ما يزال يتوجس من طلب المشورة النفسية معتبرًا إياها عيبًا، أو بتعبير آخر حاجة خاصة بالمجانين".

كمختصة في الدعم النفسي وتقديم الاستشارات النفسية، تنصح الأغبري كل من تعرض لصدمة نفسية أو يجد في نفسه حاجة للاستشارة النفسية ألا يترك نفسه "فريسة للإحباط والضيق المؤقت أو الطويل، بل عليه التوجه لطلب الاستشارة النفسية، والحصول على الدعم النفسي اللازم لتجاوز تلك الأزمة، وتحسين صحته النفسية وحياته أيضًا".